الثلاثاء، يونيو 16، 2020

أميغو


" أميغو "




نظيفة. وحيدة .لأنها فريدة. ترفرف من الذاكرة. هكذا كنا نناديه وينادون عليه كل من عرفه "بحري" وصاحب مراكب " لنشات" هكذا كان أو هكذا وصل الى ما أصبحه بعد مسار طويل من الأعمال الشاقة  " أميغو ".لم أعرف له شهرة تضيف على هذا اللفظ الهجين الذي في الغالب ابتلع حتى الإسم فهو " سمير " الغرابة حين يتعامل بها كل أبناء مدن البحر وهم معجونون في بوتقة أمواجه ومراكبه وكل مستقدم هجين ؟
مضت سنين . عشرات منها ولم نلتقي وقد غاب دون ان ادري وكانت آخر دفعات اللقاء مشاوير مع "فوتين" في فترة الخطوبة .وكأننا كنا نحتاج الى هذه الفترة لنتعارف ! كان يحملنا على مركبه ويسرح بنا في مشوار يصل المرفأ وما بعده أو إلى الجزر برفقة الأصدقاء لتمضية أوقات السباحة حيث كان يبقى معنا أو يستأذن لعمل يقضيه ويعود.



كل ذلك كرامه لعيني الخواجا جورج المعلم " أبو بندلي " حين يفهمنا الأمر بوضوح ، ماله ومال هذه المشاوير الفالصو!، ويرشق الحديث بعدها بسلسلة من الكلمات التي يخال سامعها انها جملها إيطالية ، فرنسية ، يونانية غير انها لا تقترب من كل تلك اللغات غير استعارتها للرجس والأصوات وما شبه لها من أنغام فهو كان " يخبصها " ويلتها ويعجنها بعربية مواربة من الكلمات انما يضيف اليها من حركات اليدين وتراقصها ما يسحرك وكأنك تسمع منه مباشرة ولادة لغة حية بالمباشر والإرتجال كيف يصنع ذلك ؟ كيف يؤلفها ؟ كيف يمرقها عليك ؟
انه " أميغو " يخبرك حكايات المرفأ بجمله الطويلة يعلق خلالها على مشاهداته ومعايشته لشؤون العمال والحمالين والحشاشين وخفر السواحل ومشاحنات البحارة مع بعضهم وفهلوة الساعين للحصول من القبطان على صناديق من الكروزات أو علب السجائر المهربة .وختمة الحديث غالبا ما لصق بها : " حبيـــبي "  .. مدعومة بمرادفتها " أغابيمو .. ! "



انه " أميغو " الذي كان خير مصاحب لوالدي في ذهابه للصيد "بالقصبة" خلف مستودعات المرفأ، أو على السنسول كاسر الموج ، قبل ان أصبح يستخدم السيارة للدخول الى الحرم المجاور والتابع للمرفأ. " أغابيمو " سمير وهذا اسم العلم لأميغو الذي أمضى ردحا من الزمن "بحري" على مراكب الحاج " عبدالستار" وابنه القبطان "صلاح" وفيما بعد امتلك مراكبه الخاصة وصار يعمل لحسابه الخاص.
كيف ذكرته الآن ؟ فبعد ان التقيت إبنه في سيارة تاكسي وتحدثنا عن ذكريات والده و مشاويره وطفى في ذهني انه من الممكن انه سبق لي ان اخذت له صورا !؟ ومع ترتيب الصناديق والصور ظهرت صورتان. وبقس انني من اسبوع صادفت ابن زميله في العمل البحري ال" شربه" فسألته عن اسم عائلة " أميغو" فقال لي: أميغو ..آه "سمير" إيه .. إيه انه من عائلة " الموصللي ". 

     

الأحد، أبريل 12، 2020

" شعنينتي السينمائية "


بين " الشعنينة " وشعنينتي انا .. !

" شعنينتي السينمائية "




بعيدا عن ذكريات الشعانين كما عشناها صغارا ولاحقا أكبر بالعمر فنهتم بالصغار من الإخوة والأقارب وبعدها كأهل مع الأبناء .. وما خبأته لنا كل تلك الوقائع من لحظات فتنة بالحياة وجمالاتها ..
ومضافا اليها أحاسيس " الحشر " الجميل والإنخطاف بأثره من ما بين الجموع في رقصة لم تكون مفهومة الإيقاع حينها .وحرص الأهل والكبار من بيننا على ترك ، قدر الإمكان ، فسحة من الدوائر المحروسة للصغار وقد لا ينجحون. فتحصل حوادث التدافع والحرائق كحوادث السير من إختناقات بين أجساد ، كانت تظهر كالمارد في حكايات "غيليفير "، أو شؤون الهلع من تمدد يطال شعر السيدة التي يظهر عليها كم أمضت من وقت للعناية بالتمشيطة !

بعيدا عن حكايات الفرح والهرج صادفتني ايام "شعنينة" لا علاقة لها بالطقس الديني . ايام شعنينة لي انا. لعل أكثرها فتنة واستجابة لرغباتي و لخياراتي كانت مشاركتي في الفيلم السينمائي " المخطوف " الذي لولا الأستاذ فؤاد جوجو وإختياره لي وبالتالي سماحه بأن أختصر طريقا طويلة في الاستحصال على خبرة عملية في صناعة السينما اثر تخرجي ، توا ، من معهد الفنون – الجامعة اللبنانية ومتأخرا لأشهر إجبارية مع دفعتي سنة 1982 بسبب الإجتياح الإسرائيلي لبيروت عاصمة البلاد . فقد جعلني "المخرج فؤاد جوجو" واحدا من طاقمه والعامل تحت إمرته الفنية برتبة مساعد مخرج ثاني ، فهمت منه كما أذكر ، انه كان يعول على ويرغب في ان اجري المتابعة للحوارات مع الممثلين لخلق ذاكرة الأدوار قبيل التصوير. وقد حصلت من هذه الخبرة علما كثيرا .




وقد كان " المخطوف " من كتابة " ابراهيم مرعشلي " قصة سيناريو وحوار. مع بالطبع ما أجرى عليه " فؤاد جوجو بما يعرف من سيناريو مشاهد العمل . باعتبار انه شاركنا الأستاذ "فؤاد" في إعادة صياغته للسيناريو المكتوب تخفيفا من ثقل بعض المشاهد وبالمحافظة على التماسك والتسلسل فيما بينها سينمائيا.





وقد سمحت لي هذه التجربة الخبرة وبصفتي خريجا جديدا من معهد الفنون بالاستعانة بأكبر عدد ممكن من الزملاء الخريجين أو اللذين ما زالوا يتابعون دراستهم وتحت إمرة ورغبة من المخرج ومدير الإنتاج " صالح العجم ". وهو الذي لا انكر انه قدم لي معرفة و عصارة خبرة " وبتحسيني لمفردات الشتائم الطرابلسية  التي لا زلت أجيدها وأتفنن ! " تتعلق بتعرفي عمليا على حيثيات وواجبات الاستجابة لخيارات المواقع المناسبة لتصوير الفيلم .  وهي مواقع يجب عليها ان تكون مساعدة للإنتاج بأن تؤمن المواصفات المطلوبة وبنفس الوقت الوصول اليها و تقترب بعضها من بعض.

وفي هذا المجال لا زلت اذكر كيف انه ولمشهد " خاص " ومهم في سياق الأحداث التي تتوالى في الفيلم اختار موقعا محددا يكمن خلف "حرم الجامعة الأميركية" في طرق فرعي لا يزال يحافظ على مواصفات ريفية ومحددا الزوايا المناسبة لتصور المشاهد المطابقة لحاجات الفيلم.




" شعنينتي السينمائية " في بدايات تلمسي لطريق الاحتراف الفني بين المسرح والسينما كانت بعد مسرحيات الحكواتي وعبر فيلم " المخطوف " الذي وإن ظهر في لحظات غرائبية في زمن الإحتراب البلدي المستدام فهو فيلم طرح ، كما لم يطرح من قبله فيلم آخر ، اسئلة السينما المحلية المنتجة بالكامل بهذه الصيغة وبكامل مواصفاتها وقدراتها ، وربما آخر من طرح كل باقة الأسئلة و معضلاتها المادية والفنية والأدبية وملحقاتها كصناعة ، وبمحافظتها على الحدود الدنيا من صفاء التجربة و نظافتها استجابة لمواضيع خاصة لوقائع شبه حقيقية .ووصول هذه التجربة واستجاباتها وتأمين تفاعلها مع جمهور باستطاعته ارتياد الصالات بيسر وأمان . في زمن كانت الصالات باشرت التباعد والانقسام التام بين اكثر من سبب وإعاقة حيث ان صالات السينما اتخذت بالنأي والابتعاد عن الازدهار والسير في هذا الخط بدون رجعة.

كما وانه وإن تعتبر مغامرة انتاج هذا الفيلم نموذجية لوضع كل مشاكل السينما اللبنانية في أكثر من موضوع ،على خارطة الاستفادة من الخبرات والعلوم ونتائجها ، غير انها مثلت نقطة أختلف بعدها الكثير من الشؤون كما اختلف شروط اللاعبون.
من بين اسماء الزملاء الذين شاركوا في الفيلم اتذكر : على فرحات، علي كلش، حبيب حمود، حسام الصباح ، مهدي زعيتر ،حسان مراد ،محمد الضو ، سليم بدير ، جمال حمدان ، مجير مشموشي ، فايزة ابراهيم ،رضوان حمزة الى آخرين وكل اسمائهم واردة على "جينيريك الفيلم " المتوفر على الرابط :




              فيلم المخطوف     
  الصور من تصوير فيلم "المخطوف " – 1983  ( مع المخرج فؤاد جوجو مع ليليان شويري )
 (علي كلش ، علي فرحات ، مهدي زعيتر  ومشهد مع "علي دياب " )
 (مشهد مع أحمد الزين
مصباح التنير المخرج فؤاد جوجو ويظهر رفيق حجار ، عثمان مجذوب ) و ( صورة بيني و بين  صالح العجم )

الاثنين، أغسطس 13، 2018

جماليات الركام و النسيان !


تراثي تراثك قدرا
جماليات الركام و النسيان !




بعيدا عن مزاج وكيفية ايصال الدعوات لأي نشاط موسوم بطابع ثقافي فني مجاني تجري وقائعه في ، مدينتنا الحبيبة العجيبة العاشقة لتاريخها المريضة والمنسية والشاطرة بالبكاء على الأطلال والركام واطلال الركام ولو بعد مليون سنة ! غير انه لا يحلو الكلام عن اي نشاط من الماضي  او الحاضر دون استدعاء الأساطير فيكون المدخل على سبيل المقتطف والحكاية :"في خريف ذلك العام ، هدم التلاميذ أعدادا لا تحصى من الأكواخ والعشوائيات ودكّوها من أساسها .وبقدر ما اسرعوا في العمل ،كان القادمون الجدد أسرع. ففي حين كانوا يقوّضون المباني وينقلون أنقاضها بعيدا، كانت أجزاء أخرى من المدينة تشهد على بناء مواقع جديدة ، غير قانونية وغير آمنة وقبيحة أيضا. وكانت التعليمات التي وضعها " سنان " بخصوص عرض الشوارع وارتفاع المنازل قد أهمل شأنها ، ما أثار هلع "جهان" ( تلميذه ) وفزعه ، لأنه لم يخطر على باله أبدا أن من بين مهام المعماريّ حماية المدينة من سكّانها وحماية الماضي من المستقبل .   اليف شفق – رواية " الفتى المتيّم و المعلّم " .




اما لماذا هذا المدخل فللفتنة والزهو بالمستوى والكثافة وتنوع النشاطات التي تحتفي بالركام وجمالياته حيث اختارت جمعية " تراثي تراثك" ،العاملة على وصل علاقة ثقافية بين طرابلس ومغتربين عنها الى بلاد الفرنسيين وبالتعاون بينهم ومعهم ومع مؤسسات فرنسية وبتمويل منها ، ان تقيم احتفالية على مدى يومين ( نتحدث هنا عن متابعتنا لليوم الثاني ) في النطاق الجنوبي لمحطة القطار الطرابلسية .حيث ان للنطاق الشمالي منها خاتمة معتبرة تنهي المقال !
كل هذا السحر والخلط والهجنة صنعتها مجموعة مكدسة من الأنشطة التي فتحت شهية المشاهدين ،العطشى والمحرومة من ابسط السلالات الناشطة تقافيا ! طبعا والى جانبهم المشاركين والمداومين على التنقل بين وفرة في الأطباق المقترحة تخربط رغبة المذاق . كل هذا في حيز معماري ( مبقور ومشوه من اهمال السنين واختلاس المختلسين و نتائج الحرب ،أو الحروب ،الأهلية المتواصلة ! ) وهي أماكن متعددة الإحالات بتكوينها الأصليّ والعاطفي والاستعمالية التي سبق ومر عليه دهر .
ما يهم ولا بد من اعلانه هو ان الاحتفالية ،المشار اليها، عرفتنا في يومها الثاني الى مواهب هائلة وواعدة ومنها من أصبح مكرسا يحمل تاريخه على كتفيه بقدرة وتمايز ومثابرة وهي ، قد اقول، مع الزعل والعتب الذي سيستتبعه هذا القول ، لم تسمع ولم تقدر حق قدرها !



فأحبائنا ال "جمهور " ولكثير من الإعتبارات : التأخير الأسطوري بالبدء في البرنامج ولانفتاحه ،الجمهور، الذي ظهر وكأنه مخترع للفوضى ،ربما لنقص فاضح لأبسط آداب الاجتماع في نشاطات مماثلة ،بحيث كانت جلسات السمر الجانبية والدردشات على الماشي والتنقل من كرسي الى آخر واستهلاك العصير والساندويش و الخ .. بما اربك الراغب في متابعة الحاصل من فعاليات هنا وهناك أو على المسرح التي احضرت له أعز التقنيات وأكثرها حداثة وهي تصنع ال " بهرجة " باقتدار .
ولكن ؟ ولكي لا نسترسل بالمعاكسة بديهي ان تقدر ويثنى على جهود بزلتها مجموعة " تراثي تراثك " التي تديرها السيدة " جمانة شهال – تدمري " الذين اقاموا للعيد والإحتفالية الحدث كل ما يلزمه بدأ بالأعمال الهندسية الـتأهيلية تحويلا للهنغارات وابتكار ساحة وكل ما يساعد لاستقبال انشطة منوعة بفقراتها ." هيثم دائزلي " بأعماله الفوتوغرافية الحاضرة و المتحف المختصر لحكاية المحطة التي تنتظر موعد عودة القطار وزوايا الرسم ومطرح لتوقيع كتاب وكفيتيريا. كلها وغيرها كانت هناك وحضرت بترتيب ،لمن يرغب، وهي مساحات منشأه بحرفية واحترافية عالية لعلها من توقيع المهندس "وسيم الناغي" وتحمل لمساته ،مع آخرين ربما، بحيث تم اختراع توزيع الحيّز وتحضير الموقع ليوفر متطلبات هذه التعددية للإحتفالية.



بديهي ان نمر على برنامج اليوم الثاني  ، كما علق بالذاكرة ربما ، بحيث يظهر لطف استقبال " بديع ابو شقرا " وتنشيطه لعرض فقرات البرنامج مباشرا بالأزياء التي وقعها المصمم "كريستيان معوض" كما تبعها عرض فيلم الإعلامي "يحي الصديق" الذي يتحدث عن تاريخ السكة بعنوان "المحطة التالية" وبعدها كان عمل مجموعة "صدى" المسرحية التفاعلية التي يديرها " هاني رستم " بدمجه بين لغة العرض المسرحي وشيء من الشغل على الذاكرة والإرتجال المضبوط ببعد يقترب من المسرح التطهيريّ العيادي. لننتقل الى "فريدا شحلاوي" التي قدمت اغنيات بإحساس ومضمون موسيقي وكنص شعري كان من ابرزها اغنية "يا صديقي" التي لعبت فيها بين الموسيقى الشعبية الغربية والراب مطعمة اياها بالصوت الشرقي الفالت معتمدة خلطة تنبئ بموهبة واعدة .



ليأخذنا الطفل "حمزة القزاز" منشدا مغنيا الى مسار "موطني" لحن الأخوين فليفل الأثير ومن كلمات الشاعر ابراهيم طوقان ليذكرنا بفلسطين هو الآتي من مخيمات الشتات محدثا مسيرة النوستالجيا لغناء الوطنيات رافقه خلالها شقيقه. لتأتي مداخلة "زياد الديك" متعددة المفاجآت ،ربما اكثرها تجليا اغنية موعدنا ارضك، الى تدخلات هنا وهناك بما يؤكد على نضوج باعتماد القدرات كما بالتحكم بتحول النغمات والانزلاق بسهولة وسلاسة بين رجعها الشرقي والغربي والتلون فيما بينها ليؤكد ان اللعب هو افضل الطرق لتمثل الغناء سحرا للمستمعين. لنصل الى ما قدمته مغنية الأوبرا المكتملة بثقافتها وعدتها التقنية السوبرانو " منى حلاب " التي لم يعد لنا سوى الإستمتاع بما تقدمه ، تتسلى وتفرح وتطوع ، وهي كانت برفقة الباريتون " فادي جانبارت " الذي ساندها واختصرا حضورا براقا لشكل فخيم وبراق من الغناء الآتي من كثافة .



لعل حضور " فاديا دوماني " مع من تعمل من شباب ،في محترفات و مشاريع موسيقية تثقيفية، يظهر في هذه الأيام بعد زمن طويل من العمل في الظل بحيث تظهر ويظهر عملها ، كمنشطة معلمة وعازفة وقائدة اوركيسترا ومنسقة برنامج ،وكأنه من البديهيات او كأنه تام لا يشوبه الإرتجال وهي برفقة آخرين تجعلهم يظهرون لتختفي ولعل رفقة ابناء الأخ الشابين رمزي و الما دوماني يحضران وكأن الشغل كله يصدر عن ممارسة عائلية للفن باعتباره من متممات التثقيف الفردي.
اذ ختمنا الحديث عن الاحتفالية المميزة ، من الذاكرة والهوى ،يعاود الإحساس بأنه كما ان هذه المدينة تحتفل بذاكرتها كم انها مصابه بالزهايمر الثقافي !، فإن أحدا لا يذكر انه سنة 1988 وفي الجهة الشمالية من ( المحطة) جرت فعاليات مشابهة ! ليس هذا ما نطمح الى التذكير به ولكن لمن يرغب بالمزيد ليسأل السيدة "سهير دندشي – الشريف" عن ذلك ؟ الا ان ما يصدمنا ان كثير من النشاط الثقافي الماثل في الطرقات وعلى الناصيات ( النصب والجداريات مثالا ) هي في غالبها بحالة ، ان لم تكن مزرية فهي في حالة يرثى لها ،تستدعي فعل شيء ما للتنظف والترميم أو الإزالة ان لم تعد قابلة للتدخل ! فهل ما يسكن البال غير المحال ؟ وهكذا نجد الجبرتي، في هذا السياق يقول لنا إنه ما كتب التاريخ إلا لأنه أدرك أهميته، على اعتبار أنه المقياس الحقيقي الذي يقيس به كل عاقل «نفسه على ما مضى من أمثاله في هذه الدار». 

* كما صدر المقال في الدوائر 


السبت، أغسطس 11، 2018

هكذا صنعت العرض جزء - 2


هكذا صنعت العرض  - 2
حوار مع شارل ديك حول "فيفا لا ديفا"











س  : لكن هذا الذي تصنعه الا يساعد على ممارسة الحرية في التعبير؟
ج  : تماما .. !هذه هي " الكلمة ". الحرية هي ما اسأل الطلاب التوجه نحوها.
س  : حتى الى الدرجة التي يتحول فيها الطالب بطل على استاذه من حلال مسعى الأستاذ الى الإشارة والتدليل نحو وجهة الطريق الواجب اتباعها ؟
ج  : صح .. وهذا ما يحصل عمليا من خلال تغيرات هائلة تكون ثمرة هذا الأسلوب بالتعامل الذي يسمح بتدخل حيوي من الطلاب بالنتيجة. ولو يتوفر من يؤرشف هذه اللحظات في مسارها أعتقد انها تصبح مفيدة. تماما كما قصدت بالحرية .باعتبار ممارستها طريق وحاجة لثورة . وليست الثورة هنا بالمفهوم التدميري العنيف . انما القدرة على طرح الأسئلة حول كل شيء .





س  : ثمة مشاهد تقترب فيها من شؤون طقسية . تظهر عبرها حقيقة المؤمن امام إيمانه . وقد تظهر حقيقة الأحاسيس التي ليست بالضرورة خارجة من المخزون الطبيعي لحالة الطالب الشخصية ؟ هل ساعدت السينوغرافيا من خلال تكثيفها لمطارح ما يشبه " المعبد "للوصول الى صورة عن صدق الحالة ؟ وان كانت كما ظهرت على الخشبة وهي بعيدة عن ان تتطابق مع واقع محدد ..!





ج  : صحيح اننا لم نستخدم الكثير من الأدوات و ( الإليمان ) ولكن في هذا الاقتصاد يظهر كم ان لكل ما هو موجود وظيفة محددة لا يمكن الاستغناء عنها . حددت مجتمعة مناح العمل . الوعاء الذي وضع فيه الشموع ،كمثال ، لم نستطيع استعمال ما هو متوافر منه .لذلك تم تصنيع ما قد أصبح خاصا بالعرض ، صنعه جاك ريستيكيان ،فأتى كوحدة متناسقا مع باقي مكونات وحدات السينوغرافيا. حضور الأدوات ومكونات المشهد الى مجازها ، الى ما تعنيه ،في أقصى ما تأخذ المكونات حدودها.






س  :  هذا ما عنيته حين تحدثت عن انه هناك ثمة " فيلتر " مستخدم لإنشاء المشهد وتكويه بالكامل ؟
ج  : هذا لأني اعتبر ان الحضور المسرحي ،بما يعني انه مؤلف من رؤيا مركبة، تضم الممثلين الأشخاص ومعهم الأدوات الموجودة على المسرح بدون القصد مما تعنيه ، هذه الأدوات عادة ،حين استعمالها. هذا يعني اني اشاهد الممثل والمقعد وكأن المشاهدة تحصل لأول مرة باعتبارها موجودة ، بدون ان أكون انا ، كمشاهد، مصدر السلطة لتحديد كل معانيها. في الواقع من خلال حاجتها وفي المسرح يجب ان نخرج من هذا التوصيف.





س  : كأنك هنا ، حين تشرح، تقدم تفسيرا لتعديل وظيفة الشخصية الثانية ، المساندة ، والتي كانت من المفترض ان تكون الملقن ، بحسب النص، فأصبحت عندك ،وبتفسيرك ، ضمير الشخصية الرئيسية وكأنه المسعى لتطرح معنى آخر ؟






ج  : هذا ما قصدته بتحويل الشخصية الثانية الى ضمير للشخصية الأساسية ولكنه الغير مراقب . كأن هذه الشخصية تمثل قطعة من ذاتها تعبر عن أشياء لا ترغب عادة بالتعبير عنها لأنها تخاف ذلك كما انها لا تريد ان تقول ان المسرح انتهى مثلا .
س   : من هنا يأتي في هذا السياق الحديث عبر التليفون ، والذي يظهر الكم الهائل من سوء الفهم ، وتناقض ما يسأله اعلامي مغترب وما يتوقعه من إجابات ،وكأن الإجابات على الطلب، والتي تمثل حقيقة مخالفة ومختلفة ؟





ج   :  هذا المقطع ممتاز . أبقيت عليه كما هو وأضفت النهاية التي سبق وتحدثنا عنها . بالأصح لم أضف النهاية فقط انما أوقفت السرد عند النقطة التي قالت فيها "الديفا" متسائلة : كأنني مت ولا أعرف ؟لأنه حينها اعتبرت ان النهاية تحصل هنا. بينما مع الكاتبة جرت الأمور على غير ذلك فقد أكملت .معتبرا انه في الوقت الذي يكون عندك شخص عزيز ، وهنا الغرابة التي يقدمها المسرح، فتجلس الى جانبه ، وانت تهم كثيرا لأمره ،وقد سبق وقاطعته في لحظة مهمة جدا من الحياة . فإن قمت بزيارته بعد مدة . وان كنت فعلا تتشارك معه تلك اللحظات المؤلمة التي يمر بها .عندها تجلس الى مقربة منه ولا تتكلم .تبقى صامتا .كل كلمة تخرج في هذه الحالة تكون كلمة مزيفة تصبح كالاستعراض .لأنه عند جلوسكما معا تقول له بذلك انك الى جانبه. انتهى الكلام .ما حصل في نهاية المسرحية انه اصبح لمواقع الصمت ، وتجاوب الجمهور معها، كما لاحظته عندما كنت اتابع المسرحية بجوار الحضور، انها أصبحت معبرة عن جمالية وقد أصبحت محسوسة ومادية بعمق. هذه التجربة التفاعلية ، مع الجمهور ،وخلال هذه اللحظات التي تكررت مرتين وأكثر ،أحسست انه كان من والواجب عرض المسرحية مرة ثانية . 


*  صورة عن المقال نشرته حول المسرحية :


السبت، أغسطس 04، 2018

هكذا صنعت العرض 1 محاورة مع شارل ديك حول " فيفا لا ديفا "







س  :  لماذا اخترت " فيفا لا ديفا " ؟
ج   :  الشرارة بدأت من صف جامعي حيث أعطيت رشا ضناوي مقطع منها ،لم تجري الأمور، ويتضح إمكان العمل عليها بالكامل ‘ سوى في النهاية عند حصول الامتحان حيث لمعت الفكرة ، كما لم يكن مني سوى التعليق على ما أنجز سوى اعتباره من اجمل ما شاهدت منذ عشر سنوات في الإطار الجامعي .كما وقتها بالنسبة لما قدم في الصف كان أمرا مميزا . من وقتها اعتبرت ان هذا الشغل في مكان ما يجب ان يكبر ويفترض ان يطوّر. بعدها بأكثر من سنة أعدت قراءة المسرحية ،بغض النظر عن رشا و جويل الزغبي التين تشاركتا المثيل، وجدت انها تحتوي عن ما يحاكي الخيال ، الإنسان عموما، كما يحاكي خيال العصر الذهبي لنهضة المسرح اللبناني في فترة الستينيات والسبعينيات.




 يسترجع نص المسرحية لحظات ، عبر شخصية الممثلة ،من مسرحيا وشخصياتها كأنتيغون لسوفوكل والليدي ماكبيث كما ،وبنفس الوقت، هناك ماريا كالاس . بالمقابل هناك الحياة اليومية التي تعيشها الممثلة مع ابوها وجدتها . هذا التنوع بالطبقات للذاكرة هو المثير للاهتمام.
س   : هل بإمكاننا ، في مكان ما ، متابعة  شارل وعروضه وتطورها  على المسرح ؟
ج    : بالتأكيد ...
س    : اقصد بسؤالي بعد هذا التاريخ من الأعمال المسرحية ، والبصمة التي تميزك عبر العروض التي وقعتها ،هل يمكن أن الموضوع الذي جذبك للمسرحية ما يجعلها تسمح بالدخول الى ما هو معروف من الاتجاه نحو المسرح داخل المسرح ؟ او الى نوع من السيرة الشخصية عبر المسرح او القراءة النقدية للتجربة المسرحية اللبنانية في نهضتها الحديثة ؟




ج    : صحيح . غير انك هنا تضع اشارتك باتجاه مكان آخر .
س   : ربما اشير الى ما صنعته كمخرج ؟
ج    : تلاحظ اني لم اكتفي بذكر اني المخرج ولكن اضفت ، اقتباس ، أيضا .لأنه عدلت بالتسلسل في النص كما اني حذفت وغيرت بتوصيف شخصية الملقنة فجعلتها تأتي لإغلاق المسرح كما جعلتها تقول بما معناه اني اتيت لألملم اغراضي وأغلق المسرح فالمسرح انتهى . هذا من إضافاتي .حيث ان نهاية المسرحية كما كتبت تعتبر نهاية الديفا نهاية للمسرح ، وليس كشخصية ، والمقصود المسرح كما نعهده كمكان يجمع الناس حيث نلغي الفرق بين الخيال والواقع ،هذا ما حذفته ولم يعد موجودا .
س    : هل المقصود المسرح كوسيط ام ما يتم انتاجه في المسرح هذه الأيام ؟





ج     :  الهدف هو الوصول الى صيغة تسمح للجمهور ان يعبر بصمته عن مشاعر للحظة تجمع بين ما هو على الخشبة وما يشعر به !هذا ما يتناقض مع ما يجري حاليا من استهلاك. باعتبار كل ما نعيشه ضمن عصر الاستهلاك. اما المسرح كما بدأ فالداخل اليه كان يشبه الداخل الى مكان مقدس. وارى الى المسرح الآن وكأنه معبد هجرته الآلهة فأصبح فارغا بقي منه بضع آثار نسعى الى التفتيش عنها لنصلها بدون ان يكون له رسالة وبدون المحاولة لعيش اللحظة الحالية الواقعية سويا وعاملين مع الجمهور لنتشارك معه بهذه اللحظات . ولاعتبار انه لم نعد نجلس سويا بحيث لم يعد العصر استهلاكيا فقط انما تظهر التقنيات كحاجز يفرق الناس بعضها عن بعض. وكل فرد أصبح لوحده وان اعتبرنا للمسرح صفة كونه كان المعبد فبهذا من الممكن ان يعود فيجمع الناس من ضمن طقوس يسترجعها ولكنها هنا ليست طقوس دينية.
ج    :  ماذا تعتبر انها الفكرة الأساسية التي أضفتها ، وكمخرج أيضا، على النص أو كانت خلف عملية الإعداد في تجسيدك للنص كعرض يحملها ؟ بكلمة أخرى على أي خلفية كنت تسيّر إعادة ترتيب النص بما هو مسرح داخل مسرح ؟ وعلاقة المسرح بالمشاهد ؟
س   : أساس ما كنت أتساءل حوله هو زيف الهوية .الهوية التي نتمسك بها ولا نرغب في الابتعاد عنها هي هوية مزيفة لأن الهوية الحقيقية هي هوية مشرذمة فما نلعبه يأتي من شكسبير و سوفوكل ونحن أيضا نشبه ثياب أرلوكان ، قطع ملونة يجمعها وهم، الجامع لها هو الأنا وهذا الأنا يتضخّم في العصر الحالي الإستهلاكي . وفي المسرحية تتجاور أو تتحاور الشخصيات من الليدي ماكبيث الى ماريا كالاس وبعدها تحتفل بعاشوراء لتنتقل الى ابنة أوديب فتحزن على اباها . هويتنا مركّبة حاولت بالمسرحية تفكيكها . وإظهار ال"ديفا" امرأة المسرح ، وليست هي وحدها ، ونحن أيضا وبنفس الوقت ،هويتنا مؤلفة من قطع غير مربوطة ببعضها البعض نربطها بوهم وقد فبركنا لها عناوين الطفولة والدين وما تراه ممكنا . والخيط الرابط لهذه الهوية هو اصطناعي لأن هويتنا ليست أحادية المصدر .لهذا السبب أعجبت بالمسرحية لأنها تصور ديفا تحكي عن اباها وبعده انتيغون ومن ثم الليدي ماكبيث فتصبح بعدها كالاس وتخبر احتفالية عاشوراء وتعيش عاشوراء بتفاصيلها وفي آخر المطاف تصل لتقول،وانا أوقفت تسلسل المونولوغ قبل ذلك ولكنها تكمل لتصل النقطة حيث تقول ، انها : " يمكن انا قد سبق ومت ولا أعلم بذلك .وان المسرح تهدمه الجرافات !" وهو الامر الحقيقي الذي يعكس واقع.
س   : تذهب الى عمق التراجيديا الشكسبيرية  ..





ج    : صحيح
س   :  تقصد ان دوزنة الإيقاع الذي خلقته للمسرحية هو لإخراجها من الميلودراما والذهاب به الى الحالة التراجيدية العميقة ؟ وفي نفس الوقت تطعيمه بالكوميديا السوداء المشرّحة لأزدواجيات تصيب الشخصيات في حالة بنائها من قبل الممثلة وذاكرتها ؟ وبما يكوّن الهويات المتعددة عند الإنسان المعاصر ؟
ج  : بالحقيقة هناك أمور صحيحة بالسؤآل ، قد لا تكون قراءة شكسبيرية ، باعتبار انه في لحظة نزعت فيها من نصّ المسرحية كل ما هو مربوط بمرحلة تاريخية أو سوسيولوجي محدد ورحت بها الى المواجهة بين الممثل وبالتالي الإنسان وقصة هويته ما يعني هذا الصدام الذي نكتشف فجأة انها اصطناعية ،وهم بالنتيجة ، والخبرية التي تحدث عن تجربة خاصة برفقة الممثل "أبو نصار" وتجربتهم في الدامور بناء على تجربتهم مع غروتوفسكي قد حذفتها لأنها شأن خاص ومحدد. ولم اهتم له.





س  : اتتصور انه ثمة إشارة لتجربة شخصية للكاتبة ؟
ج    : اتصوّر ان يكون الأمر كذلك .غير ان مواقف أخرى كانت تعبّر عن حالات عامة ، أو قابلة لأن تكون في كلّ زمان ومكان ، مثال عاشوراء مختلف مثلا ، وقد افترضت اخذ الخاص المعبر عن الإنساني العام والإبقاء عليه من وجهة نظري .لذلك تخليت عن بدايات مسرح التلفزيون ( البرنيطة ) وأخذت الوجهة الى منحى آخر وانهيتها حين موت المسرح .لا أعطي دروس لهدى بركات غير اني فضلت النهاية عند هذا الحد .عندما تصرح الممثلة انها ماتت ولم تعد تعرف كأقصى ما يمكن لإنسان التصريح به . بعد ذلك يأتي الصمت !
س  : هل تعتبر النص يغري بقرآت عديدة ؟
ج    : انه نصّ غني .يحتمل قراءات عديدة .ويعمل منه صيغ من الاخراج عديدة ومختلفة وحتى اقتباسات مختلفة. نص رائع اعتبره من اهم ما كتب في الحقبة الثانية من القرن العشرين وحتى يومنا هذا. كتب من ضمن المعرفة بالمسرح المعروف باللبناني . انه ممتاز. فعلا ممتاز. لأنه مكتوب من قبل شخص يعرف المسرح. المسرح ليس أدبا ليقرأ. والكاتب هنا يعرف خشبة المسرح بالكامل. لهذا السبب جذبني .
س  : تقصد ، بما يعني كلامك ،انه ينبه المسرحيين الذين يشتغلون على عروض مسرحية ؟
ج   : كتابة المسرح ليست كما تكون وتحصل كتابة الرواية أو القصة . على المسرح الكلمة هي "فعل" ولا تحتمل السرد التوصيفي . ممكن بأماكن محددة ثمة منحى سردي توصيفي .وهو ليس عيبا . انما وقد وجد كذلك غير اني تفاديت بعض هذه المقاطع. وهي المتعلقة بالسرديات التي لها علاقة بتوثيق تجربة مسرحية محددة تدخل في صميم علاقة الاحتكاك للمسرحيين اللذين اتصلوا، خلال حقبة ما نسميه نهضة المسرح في لبنان ، بما صنع في الغرب وهو يمثل أكثر من ثلاثة أرباع المنتج المحلي للمسرح. لأنه لا نملك تاريخ مسرح وتراث من التجارب فهي من الأمور الغير موجودة .هذه التجارب المتعارف عليه انها تذهب نحو بريخت أو غروتوفسكي أو الليفينغ ثياتر . الى آخر ما عندنا من مسارح ،أو مسرحيات، وهي كلها نتاج علاقة للمسرحيين بالمسرح الغربي. والإعتبار التاريخي يقول ان لا مسرح خاص بنا .





س   :  من هنا فرادة نص هدى بركات بإثارته الدهشة كما بإثارته الجاذبية امام العاملين في المسرح ؟
ج   :  صح . وهو نص من النصوص القليلة التي قرأتها ويظهر فيه ما يجري عندنا ، وهو ينتمي ، والى جذور موجودة في أرضنا .كما يختزن تطلعات خارج المكان. هذا ما يجعل من هذا النص جودته ويحتمل ان يتحول الى نص عالمي.
س   : هل انتبهت الى نوع من " الكرونولوجية " بما يعني ويخص التسلسل الزمني المتوافر المسكون بالرغبة في تأريخ التجارب المسرحية اللبنانية في قلب هذه المسرحية ؟ الى حد ما ؟ ففي لحظة حتى ولو ان الممثلة تتقمص دور " كالاس "فهي بشكل ما تثير الأسئلة حول شخصية " منير أبو دبس " أو " أنطوان و لطيفة ملتقى " الخ .. و آخرين ..
ج   :  أكثر من ذلك .لا ترى الى هذا المنحى من العاملين أقصد الى هؤلاء فقط .فهي تحكي وبأسلوب جميل عن أبو ملحم و فهمان ، أبو سليم و درباس مع مزيج جميل من الذين مرو . ولهذا فلهذه الجماليات المتوافرة بإمكان واحدنا قراءتها بطرق مختلفة أو ان يشتغل عليها كما هي .   
س  : لنتحدث أو لنتساءل عن الكيفية التي تتعامل بها مع النص .هل تنطلق من الفكرة التي ترغب بإيصالها عبر الإخراج ام انك تعمل من خلال إمكانيات ممثل او طاقته على التوصيل للفكرة ؟
ج   : أبدأ من دون أفكار مكتملة مسبقا. لا أخبر الطلاب بذلك . اباشر حيث تكون لديّ فكرة تشبه ظهور نجمة في ليل بعيد. اقصد اني امشي على مهل مع الممثلين واكتشف معهم كيفية صناعة المشهد. أما الإخراج بالكامل فأتركه للأسبوعين الأخيرين من التمارين وهذا قد يربك بعض الشيْ. اعرف كيف أتوجه لما اريد خلال المرحلة الأولى هناك تجارب توصل الى الصورة النهائية للعرض .هناك أفكار الهوية وعلاقتها بموت ابوها وما حصل لكالاس وماكبيث ما جذبني للموضوع .





س  : هذا يعني انك لا تعمل على المنهاج قراءة الطاولة والمراحل التالية؟
ج    : لا لا . ابدأ مباشرة بالارتجال حول الموضوع وخارج النص. واذهب الى تبديل الممثلين على شخصيات مختلفة وقد تكون متناقضة. والعب بعكس المضمون من خلال تبديل بالإيقاعات فأصنع منه كوميديا او تراجيديا وأطلب ان تكون قراءات تشمل تماين حارج السياق والغي النص معتمدا على حركة الممثل فيكون إخراجا صامتا بالحركات وتجسيدها بدون كلام .للهروب من تخدير الكلمات وتغطيتها على الوقائع كما للماكياج الذي بحيث تجمّل. هي مرحلة ارتجال وتمارين يأتي بعدها الشغل على النص. بحيث نكتشف لحظات الحياة الكامنة في المواقف والتي تنتقل معنا عندما نتوجه للنص فنستخدمها أو نعدل فيها عبر التمارين .
س  : هنا الهم الأساسي عندك هو إيصال الفكرة من خلال الممثل بالدرجة الأولى ؟ يأتي بعدها في آخر المطاف الاستعانة او تحديد السينوغرافيا ؟





ج  : ما قبل الأخير يأتي دور السينوغراف حيث ان العمل معه يصبح ضرورة عند وضوح المسرح بما يعني التقطيع .كما انه من خلال التمارين تظهر حاجات الإخراج حين تؤكد حاجات محددة تكون بصورة مطالب اطرحها على " جاكو ريستيكيان "




 الذي بدوره يقدم اقتراحاته ويحضر التمارين لنصل في نهاية الأمر الى الصيغة التي تكون نتاج كل هذه المرحلة. اعتد انه ينتابني تصميم يناقض إرادة تفرض على الأمور ففي المسرح اتبنى فكرة ان يكون الخيال هو المسيطر. وكيّ يسيطر الخيال تحتاج الى نزع الرقابة . أقصد اننا نملك خيال خاص فينا لكنه يمر بالرقابة قبل خروجه الى وسيلة تعبير. بالنتيجة يخرج التعبير متشابه حين مروره على الرقابة عندنا في المسرح من الصعب ان ننزع هذا ال " فيلتر " ،كرقابة ذاتية، بشكل ينعكس الخيال مباشرة على الجسد. هذا ما اتصوره اهم ما يجب ان يعمل عليه المخرج وبالتالي الممثل خلال مرحلة التمارين . هذه اللحظة صعب الوصول اليها لاعتبارات الرقابة الذاتية ، العائلية، الدينية ، الأخلاقية والقيم والسلسلة لا تنتهي . كل هذه المجموعة الرقابية لا يمكنها ان تصنع مسرح تحتاج ان تنزعها. وبالتالي المسرح هو بداية لثورة وثمة طلاب يخافوا من الإقدام .يخافوا من المجهول .لأن الرقابة تحدد لنا الاتجاه وتقول لنا الى اين علينا الذهاب !
س  : لكن هذا الذي تصنعه الا يساعد على ممارسة الحرية في التعبير؟
ج  : تماما .. !هذه هي " الكلمة ". الحرية هي ما اسأل الطلاب التوجه نحوها.
س  : حتى الى الدرجة التي يتحول فيها الطالب بطل على استاذه من حلال مسعى الأستاذ الى الإشارة والتدليل نحو وجهة الطريق الواجب اتباعها ؟





ج  : صح .. وهذا ما يحصل عمليا من خلال تغيرات هائلة تكون ثمرة هذا الأسلوب بالتعامل الذي يسمح بتدخل حيوي من الطلاب بالنتيجة. ولو يتوفر من يؤرشف هذه اللحظات في مسارها أعتقد انها تصبح مفيدة. تماما كما قصدت بالحرية .باعتبار ممارستها طريق وحاجة لثورة . وليست الثورة هنا بالمفهوم التدميري العنيف . انما القدرة على طرح الأسئلة حول كل شيء .