السبت، أغسطس 04، 2018

هكذا صنعت العرض 1 محاورة مع شارل ديك حول " فيفا لا ديفا "







س  :  لماذا اخترت " فيفا لا ديفا " ؟
ج   :  الشرارة بدأت من صف جامعي حيث أعطيت رشا ضناوي مقطع منها ،لم تجري الأمور، ويتضح إمكان العمل عليها بالكامل ‘ سوى في النهاية عند حصول الامتحان حيث لمعت الفكرة ، كما لم يكن مني سوى التعليق على ما أنجز سوى اعتباره من اجمل ما شاهدت منذ عشر سنوات في الإطار الجامعي .كما وقتها بالنسبة لما قدم في الصف كان أمرا مميزا . من وقتها اعتبرت ان هذا الشغل في مكان ما يجب ان يكبر ويفترض ان يطوّر. بعدها بأكثر من سنة أعدت قراءة المسرحية ،بغض النظر عن رشا و جويل الزغبي التين تشاركتا المثيل، وجدت انها تحتوي عن ما يحاكي الخيال ، الإنسان عموما، كما يحاكي خيال العصر الذهبي لنهضة المسرح اللبناني في فترة الستينيات والسبعينيات.




 يسترجع نص المسرحية لحظات ، عبر شخصية الممثلة ،من مسرحيا وشخصياتها كأنتيغون لسوفوكل والليدي ماكبيث كما ،وبنفس الوقت، هناك ماريا كالاس . بالمقابل هناك الحياة اليومية التي تعيشها الممثلة مع ابوها وجدتها . هذا التنوع بالطبقات للذاكرة هو المثير للاهتمام.
س   : هل بإمكاننا ، في مكان ما ، متابعة  شارل وعروضه وتطورها  على المسرح ؟
ج    : بالتأكيد ...
س    : اقصد بسؤالي بعد هذا التاريخ من الأعمال المسرحية ، والبصمة التي تميزك عبر العروض التي وقعتها ،هل يمكن أن الموضوع الذي جذبك للمسرحية ما يجعلها تسمح بالدخول الى ما هو معروف من الاتجاه نحو المسرح داخل المسرح ؟ او الى نوع من السيرة الشخصية عبر المسرح او القراءة النقدية للتجربة المسرحية اللبنانية في نهضتها الحديثة ؟




ج    : صحيح . غير انك هنا تضع اشارتك باتجاه مكان آخر .
س   : ربما اشير الى ما صنعته كمخرج ؟
ج    : تلاحظ اني لم اكتفي بذكر اني المخرج ولكن اضفت ، اقتباس ، أيضا .لأنه عدلت بالتسلسل في النص كما اني حذفت وغيرت بتوصيف شخصية الملقنة فجعلتها تأتي لإغلاق المسرح كما جعلتها تقول بما معناه اني اتيت لألملم اغراضي وأغلق المسرح فالمسرح انتهى . هذا من إضافاتي .حيث ان نهاية المسرحية كما كتبت تعتبر نهاية الديفا نهاية للمسرح ، وليس كشخصية ، والمقصود المسرح كما نعهده كمكان يجمع الناس حيث نلغي الفرق بين الخيال والواقع ،هذا ما حذفته ولم يعد موجودا .
س    : هل المقصود المسرح كوسيط ام ما يتم انتاجه في المسرح هذه الأيام ؟





ج     :  الهدف هو الوصول الى صيغة تسمح للجمهور ان يعبر بصمته عن مشاعر للحظة تجمع بين ما هو على الخشبة وما يشعر به !هذا ما يتناقض مع ما يجري حاليا من استهلاك. باعتبار كل ما نعيشه ضمن عصر الاستهلاك. اما المسرح كما بدأ فالداخل اليه كان يشبه الداخل الى مكان مقدس. وارى الى المسرح الآن وكأنه معبد هجرته الآلهة فأصبح فارغا بقي منه بضع آثار نسعى الى التفتيش عنها لنصلها بدون ان يكون له رسالة وبدون المحاولة لعيش اللحظة الحالية الواقعية سويا وعاملين مع الجمهور لنتشارك معه بهذه اللحظات . ولاعتبار انه لم نعد نجلس سويا بحيث لم يعد العصر استهلاكيا فقط انما تظهر التقنيات كحاجز يفرق الناس بعضها عن بعض. وكل فرد أصبح لوحده وان اعتبرنا للمسرح صفة كونه كان المعبد فبهذا من الممكن ان يعود فيجمع الناس من ضمن طقوس يسترجعها ولكنها هنا ليست طقوس دينية.
ج    :  ماذا تعتبر انها الفكرة الأساسية التي أضفتها ، وكمخرج أيضا، على النص أو كانت خلف عملية الإعداد في تجسيدك للنص كعرض يحملها ؟ بكلمة أخرى على أي خلفية كنت تسيّر إعادة ترتيب النص بما هو مسرح داخل مسرح ؟ وعلاقة المسرح بالمشاهد ؟
س   : أساس ما كنت أتساءل حوله هو زيف الهوية .الهوية التي نتمسك بها ولا نرغب في الابتعاد عنها هي هوية مزيفة لأن الهوية الحقيقية هي هوية مشرذمة فما نلعبه يأتي من شكسبير و سوفوكل ونحن أيضا نشبه ثياب أرلوكان ، قطع ملونة يجمعها وهم، الجامع لها هو الأنا وهذا الأنا يتضخّم في العصر الحالي الإستهلاكي . وفي المسرحية تتجاور أو تتحاور الشخصيات من الليدي ماكبيث الى ماريا كالاس وبعدها تحتفل بعاشوراء لتنتقل الى ابنة أوديب فتحزن على اباها . هويتنا مركّبة حاولت بالمسرحية تفكيكها . وإظهار ال"ديفا" امرأة المسرح ، وليست هي وحدها ، ونحن أيضا وبنفس الوقت ،هويتنا مؤلفة من قطع غير مربوطة ببعضها البعض نربطها بوهم وقد فبركنا لها عناوين الطفولة والدين وما تراه ممكنا . والخيط الرابط لهذه الهوية هو اصطناعي لأن هويتنا ليست أحادية المصدر .لهذا السبب أعجبت بالمسرحية لأنها تصور ديفا تحكي عن اباها وبعده انتيغون ومن ثم الليدي ماكبيث فتصبح بعدها كالاس وتخبر احتفالية عاشوراء وتعيش عاشوراء بتفاصيلها وفي آخر المطاف تصل لتقول،وانا أوقفت تسلسل المونولوغ قبل ذلك ولكنها تكمل لتصل النقطة حيث تقول ، انها : " يمكن انا قد سبق ومت ولا أعلم بذلك .وان المسرح تهدمه الجرافات !" وهو الامر الحقيقي الذي يعكس واقع.
س   : تذهب الى عمق التراجيديا الشكسبيرية  ..





ج    : صحيح
س   :  تقصد ان دوزنة الإيقاع الذي خلقته للمسرحية هو لإخراجها من الميلودراما والذهاب به الى الحالة التراجيدية العميقة ؟ وفي نفس الوقت تطعيمه بالكوميديا السوداء المشرّحة لأزدواجيات تصيب الشخصيات في حالة بنائها من قبل الممثلة وذاكرتها ؟ وبما يكوّن الهويات المتعددة عند الإنسان المعاصر ؟
ج  : بالحقيقة هناك أمور صحيحة بالسؤآل ، قد لا تكون قراءة شكسبيرية ، باعتبار انه في لحظة نزعت فيها من نصّ المسرحية كل ما هو مربوط بمرحلة تاريخية أو سوسيولوجي محدد ورحت بها الى المواجهة بين الممثل وبالتالي الإنسان وقصة هويته ما يعني هذا الصدام الذي نكتشف فجأة انها اصطناعية ،وهم بالنتيجة ، والخبرية التي تحدث عن تجربة خاصة برفقة الممثل "أبو نصار" وتجربتهم في الدامور بناء على تجربتهم مع غروتوفسكي قد حذفتها لأنها شأن خاص ومحدد. ولم اهتم له.





س  : اتتصور انه ثمة إشارة لتجربة شخصية للكاتبة ؟
ج    : اتصوّر ان يكون الأمر كذلك .غير ان مواقف أخرى كانت تعبّر عن حالات عامة ، أو قابلة لأن تكون في كلّ زمان ومكان ، مثال عاشوراء مختلف مثلا ، وقد افترضت اخذ الخاص المعبر عن الإنساني العام والإبقاء عليه من وجهة نظري .لذلك تخليت عن بدايات مسرح التلفزيون ( البرنيطة ) وأخذت الوجهة الى منحى آخر وانهيتها حين موت المسرح .لا أعطي دروس لهدى بركات غير اني فضلت النهاية عند هذا الحد .عندما تصرح الممثلة انها ماتت ولم تعد تعرف كأقصى ما يمكن لإنسان التصريح به . بعد ذلك يأتي الصمت !
س  : هل تعتبر النص يغري بقرآت عديدة ؟
ج    : انه نصّ غني .يحتمل قراءات عديدة .ويعمل منه صيغ من الاخراج عديدة ومختلفة وحتى اقتباسات مختلفة. نص رائع اعتبره من اهم ما كتب في الحقبة الثانية من القرن العشرين وحتى يومنا هذا. كتب من ضمن المعرفة بالمسرح المعروف باللبناني . انه ممتاز. فعلا ممتاز. لأنه مكتوب من قبل شخص يعرف المسرح. المسرح ليس أدبا ليقرأ. والكاتب هنا يعرف خشبة المسرح بالكامل. لهذا السبب جذبني .
س  : تقصد ، بما يعني كلامك ،انه ينبه المسرحيين الذين يشتغلون على عروض مسرحية ؟
ج   : كتابة المسرح ليست كما تكون وتحصل كتابة الرواية أو القصة . على المسرح الكلمة هي "فعل" ولا تحتمل السرد التوصيفي . ممكن بأماكن محددة ثمة منحى سردي توصيفي .وهو ليس عيبا . انما وقد وجد كذلك غير اني تفاديت بعض هذه المقاطع. وهي المتعلقة بالسرديات التي لها علاقة بتوثيق تجربة مسرحية محددة تدخل في صميم علاقة الاحتكاك للمسرحيين اللذين اتصلوا، خلال حقبة ما نسميه نهضة المسرح في لبنان ، بما صنع في الغرب وهو يمثل أكثر من ثلاثة أرباع المنتج المحلي للمسرح. لأنه لا نملك تاريخ مسرح وتراث من التجارب فهي من الأمور الغير موجودة .هذه التجارب المتعارف عليه انها تذهب نحو بريخت أو غروتوفسكي أو الليفينغ ثياتر . الى آخر ما عندنا من مسارح ،أو مسرحيات، وهي كلها نتاج علاقة للمسرحيين بالمسرح الغربي. والإعتبار التاريخي يقول ان لا مسرح خاص بنا .





س   :  من هنا فرادة نص هدى بركات بإثارته الدهشة كما بإثارته الجاذبية امام العاملين في المسرح ؟
ج   :  صح . وهو نص من النصوص القليلة التي قرأتها ويظهر فيه ما يجري عندنا ، وهو ينتمي ، والى جذور موجودة في أرضنا .كما يختزن تطلعات خارج المكان. هذا ما يجعل من هذا النص جودته ويحتمل ان يتحول الى نص عالمي.
س   : هل انتبهت الى نوع من " الكرونولوجية " بما يعني ويخص التسلسل الزمني المتوافر المسكون بالرغبة في تأريخ التجارب المسرحية اللبنانية في قلب هذه المسرحية ؟ الى حد ما ؟ ففي لحظة حتى ولو ان الممثلة تتقمص دور " كالاس "فهي بشكل ما تثير الأسئلة حول شخصية " منير أبو دبس " أو " أنطوان و لطيفة ملتقى " الخ .. و آخرين ..
ج   :  أكثر من ذلك .لا ترى الى هذا المنحى من العاملين أقصد الى هؤلاء فقط .فهي تحكي وبأسلوب جميل عن أبو ملحم و فهمان ، أبو سليم و درباس مع مزيج جميل من الذين مرو . ولهذا فلهذه الجماليات المتوافرة بإمكان واحدنا قراءتها بطرق مختلفة أو ان يشتغل عليها كما هي .   
س  : لنتحدث أو لنتساءل عن الكيفية التي تتعامل بها مع النص .هل تنطلق من الفكرة التي ترغب بإيصالها عبر الإخراج ام انك تعمل من خلال إمكانيات ممثل او طاقته على التوصيل للفكرة ؟
ج   : أبدأ من دون أفكار مكتملة مسبقا. لا أخبر الطلاب بذلك . اباشر حيث تكون لديّ فكرة تشبه ظهور نجمة في ليل بعيد. اقصد اني امشي على مهل مع الممثلين واكتشف معهم كيفية صناعة المشهد. أما الإخراج بالكامل فأتركه للأسبوعين الأخيرين من التمارين وهذا قد يربك بعض الشيْ. اعرف كيف أتوجه لما اريد خلال المرحلة الأولى هناك تجارب توصل الى الصورة النهائية للعرض .هناك أفكار الهوية وعلاقتها بموت ابوها وما حصل لكالاس وماكبيث ما جذبني للموضوع .





س  : هذا يعني انك لا تعمل على المنهاج قراءة الطاولة والمراحل التالية؟
ج    : لا لا . ابدأ مباشرة بالارتجال حول الموضوع وخارج النص. واذهب الى تبديل الممثلين على شخصيات مختلفة وقد تكون متناقضة. والعب بعكس المضمون من خلال تبديل بالإيقاعات فأصنع منه كوميديا او تراجيديا وأطلب ان تكون قراءات تشمل تماين حارج السياق والغي النص معتمدا على حركة الممثل فيكون إخراجا صامتا بالحركات وتجسيدها بدون كلام .للهروب من تخدير الكلمات وتغطيتها على الوقائع كما للماكياج الذي بحيث تجمّل. هي مرحلة ارتجال وتمارين يأتي بعدها الشغل على النص. بحيث نكتشف لحظات الحياة الكامنة في المواقف والتي تنتقل معنا عندما نتوجه للنص فنستخدمها أو نعدل فيها عبر التمارين .
س  : هنا الهم الأساسي عندك هو إيصال الفكرة من خلال الممثل بالدرجة الأولى ؟ يأتي بعدها في آخر المطاف الاستعانة او تحديد السينوغرافيا ؟





ج  : ما قبل الأخير يأتي دور السينوغراف حيث ان العمل معه يصبح ضرورة عند وضوح المسرح بما يعني التقطيع .كما انه من خلال التمارين تظهر حاجات الإخراج حين تؤكد حاجات محددة تكون بصورة مطالب اطرحها على " جاكو ريستيكيان "




 الذي بدوره يقدم اقتراحاته ويحضر التمارين لنصل في نهاية الأمر الى الصيغة التي تكون نتاج كل هذه المرحلة. اعتد انه ينتابني تصميم يناقض إرادة تفرض على الأمور ففي المسرح اتبنى فكرة ان يكون الخيال هو المسيطر. وكيّ يسيطر الخيال تحتاج الى نزع الرقابة . أقصد اننا نملك خيال خاص فينا لكنه يمر بالرقابة قبل خروجه الى وسيلة تعبير. بالنتيجة يخرج التعبير متشابه حين مروره على الرقابة عندنا في المسرح من الصعب ان ننزع هذا ال " فيلتر " ،كرقابة ذاتية، بشكل ينعكس الخيال مباشرة على الجسد. هذا ما اتصوره اهم ما يجب ان يعمل عليه المخرج وبالتالي الممثل خلال مرحلة التمارين . هذه اللحظة صعب الوصول اليها لاعتبارات الرقابة الذاتية ، العائلية، الدينية ، الأخلاقية والقيم والسلسلة لا تنتهي . كل هذه المجموعة الرقابية لا يمكنها ان تصنع مسرح تحتاج ان تنزعها. وبالتالي المسرح هو بداية لثورة وثمة طلاب يخافوا من الإقدام .يخافوا من المجهول .لأن الرقابة تحدد لنا الاتجاه وتقول لنا الى اين علينا الذهاب !
س  : لكن هذا الذي تصنعه الا يساعد على ممارسة الحرية في التعبير؟
ج  : تماما .. !هذه هي " الكلمة ". الحرية هي ما اسأل الطلاب التوجه نحوها.
س  : حتى الى الدرجة التي يتحول فيها الطالب بطل على استاذه من حلال مسعى الأستاذ الى الإشارة والتدليل نحو وجهة الطريق الواجب اتباعها ؟





ج  : صح .. وهذا ما يحصل عمليا من خلال تغيرات هائلة تكون ثمرة هذا الأسلوب بالتعامل الذي يسمح بتدخل حيوي من الطلاب بالنتيجة. ولو يتوفر من يؤرشف هذه اللحظات في مسارها أعتقد انها تصبح مفيدة. تماما كما قصدت بالحرية .باعتبار ممارستها طريق وحاجة لثورة . وليست الثورة هنا بالمفهوم التدميري العنيف . انما القدرة على طرح الأسئلة حول كل شيء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق