الثلاثاء، نوفمبر 21، 2017

الإستقلال .. الإستقلال ,, من وجهة نظر الشهداء .. والشهود من طرابلس

الإستقلال .. الإستقلال ,, 
من وجهة نظر الشهداء .. والشهود من طرابلس




تحقيق : جان رطل
هذا الموضوع كتب ونشر في العام 1994، أي منذ 19 سنة، ونشر في جريدة «اللواء» الغراء التي تصدر في بيروت، حيث كان الزميل جان رطل يزودها بالتحقيقات ويكتب فيها حول القضايا الثقافية والفنية الخ... وإذ تعيد «الإنشاء» نشره اليوم في الذكرى 70 للإستقلال دون اي تدخل في نصه او اجراء اي تعديل على مضمونه... فلكي يتم حفظه، خاصة أنه موضوع طرابلسي محض... مع الوعد بإضافة ما تم تجميعه بعد ذلك في أرشيف «مركز محمود الأدهمي» من معلومات إضافية. والموضوع بنصه الذي نشر العام 1994 هو التالي:
أنا بعرفوا تاريخنا ناطر كف من غيمة ./زياد الرحباني - نزل السرور 
"إن تاريخ بلادنا ناقص نقصاناً كبيراً، وفيه تقاطع، وحلقات مفقودة، وفيه إعراض عن شروح ضرورية لا يستقيم الواقع الحقيقي بإهمالها الجذورالتاريخية للحرب اللبنانية  / يوسف ابراهيم يزبك




نحتفل بالاستقلال كل عام يوم 22 تشرين الثاني والحكاية الرسمية هي المتداولة وتسقط من حسابها «السواد الأعظم»، «الجماهير»، «المواطنين» وتسميات أخرى. فالقادة يختصرون في حضورهم والهالات كل التضحيات و... وقد رسخت الروايات التي قرأناها في كتب التاريخ هذا المنحى ولم يخطر بالبال سوى ان الاستقلال حصلنا عليه بانتخابات حرّة ونزيهة أفضت نتيجتها «في ظل الانتداب» الى إيصال كتلة تاريخية متجانسة متحالفة معبرة عن آمال التحرر فأقرت تعديلات دستورية، فاعتقالات، ف... إطلاق سراح الاستقلال في 22 تشرين الثاني.
هذه هي العناوين الكبرى أما عن حصول تظاهرات ومجازر وشهداء بين الاعتقالات وإطلاق السراح فللمتخصصين وحدهم ان يعرفوا او يتعارفوا على بعض التفصيلات، والتي بلا شك لا يمكن ان توجد في مرجع مطبوع واحد وإن وجدت فمجتزأة وناقصة.
هالني أن أعرف ومنذ مدة ليست ببعيدة لا تتجاوز السنتين أنه في طرابلس وفي غمرة الأحداث التي حصلت بعد اعتقال رجالات الاستقلال سقط ما يتراوح عدده وعلى اختلاف المراجع بين تسعة شهداء وأربعة عشر شهيداً من الفتيان الذين لم تتجاوز أعمارهم العشرة الى أربعة عشر سنة. يضاف اليهم بين الـ17 الى 25 جريح في تظاهرة يوم 13 تشرين الثاني غداة الاعتقالات وبالموازاة مع طرابلس سقط في بيروت أربعة شهداء وفي صيدا ثلاثة وفي بشامون واحد، مما يجعل عدد الذين سقطوا في سبيل الاستقلال 22 شهيداً ويزيد والذهول الذي أصبت به أمام هذه الحقيقة عائد لكوني امتهنت منذ ست سنوات مهنة الصحافة تغطية يومية للمقروء وللمرئي والمسموع أنشطة ومناسبات الخ... وكنت من بين المحطات الموسمية أقف احتراماً أمام الاصرار السنوي للملحقين العسكريين في سفارات فرنسا، بريطانيا، بولونيا، الهند، ومن يرافقهم من سفراء في بعض الأحيان او قائمين بالأعمال على إقامة احتفال بوضع الزهور والأكاليل وزيارة مقابر شهداء جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية... بالمقابل لم أتعرف على شهداء لنا نحن المواطنين اللبنانيين مع أنه يوجد شهداء لنا سقطوا أثناء الحرب العالمية الثانية ولكن غابت من الذاكرة أسماؤهم وبالمصادفة تتعرّف خلال جلسة مع من عاصروا تلك الأيام فتسمع عن غارة استشهد فيها بين الخمسة او الستة أشخاص في ميناء طرابلس و.. و.. والخلاصة المحزنة أن أحداً لا يذكر وأحداً لا يكرّم، وإن كان هذا حديث آخر.... فما أنا بصدد الكتابة عنه الآن هو محاولتي الشخصية الخائبة هي الأخرى والقاصرة عن الوصول الى معرفة شيء ولكن فيما يتعلق بـ13 تشرين الثاني 1943، ومع قناعتي بأنني في بداية الطريق لتكوين صورة متكاملة أحتاج فيها للقاءات متفرقة ومتشعبة وبشكل خاص مع أقارب الذين سقطوا هذا على مستوى طرابلس فقط ناهيك ما يتوجب ان يحصل بالنسبة لصيدا وبيروت، للحصول على صور فوتوغرافية كأضعف الايمان لكنني أجد نفسي ملحوق بالوقت وها الـ13 تشرين الثاني يدق الباب و... لن أفصح عن الوضع المخجل الذي ترزح تحته مدافن شهدائنا شهداء استقلالنا...
... قد يصيح قائل: ما بالك تفتح القبور المغلقة؟ فأجدني مسكوناً، بل مهجوساً بدماء طرابلسية منسية استطابت مذاق الاستقلال.
وحسبي أني بلقائي مع ثلاثة شهود ممن كانوا يومها فتياناً، من عداد الذين تظاهروا ضد «الاستعمار» وبنقلي لرواياتهم للحدث أنعش بعض من ذاكرة تقادمت عليها الحروب وجعلت للحدث طعم المصالحات مع التاريخ والأعداء والأصدقاء!.





أحمد نديم البيسار
ماذا يقول احمد البيسار:
كان عمري 12 سنة، يا أخي نحن كنا مصطافين وقتها في بخعون، نزلنا من بخعون، الوضع كان مخربط، بيتنا كان بباب الحديد وأنا أتعلم عند الشيخ اشراقية، يومها كالعادة رايح لعند الشيخ من باب الحديد، مرقت على الشهداء لاقاني الشيخ تحسين الثمين الله يرحمه، جارنا، هو واقف ومعو ثلاث أربع أولاد... تعا يا بيسار!.. عيّطلي هيك جئت قال لي: وقاف هون مع الأولاد.. قفوا هنا وكل ما مر ولد يعيّطلو.. الشيخ تحسين رجل عالم وكانت كل العالم تحترمه في باب الحديد.. يومها البلد كانت صغيرة باب الحديد والسويقة وهو كان خطيب جامع البرطاسي، كان خطيب من الخطباء تتكاثر الناس لسماع خطبته.. والله صرنا بين 16 والـ18، لم أعد أذكر العدد الكل كان ذاهب او الى شيخ شراقية أما الى الشيخ ظافر. عندها قال لنا أنو ليلتها أخذ الفرنسيين عبدالحميد كرامي من بيتو مع آخرين راشد المقدم وعبد اللطيف البيسار (!؟). وقبل يومين كان حاول الفرنسيين الدخول الى «القصر» تصدى لهم بعض الشباب سقط سعيد الشفشق واعتقل محمود الدنون مصاب. البلد كانت مسمومة، الحاصل طلب منا تسكير البلد... انتو بتطلعوا بتسكروا البلد ونحن اولاد من 10 الى 14 سنة... فلتنا من هناك في سوق البازركان وكل محل نلاقيه نسكروا اللي ما يسكّر بالحجارة، بالقضبان، بالعصي، والله أنا أذكر شلفونا عصا صغيرة كانت بإيدي حطها على الباب الحديد، كانو أول ما درجوا أبواب الحديد، حطها هيك وكركر... رر تنزل تبدا العالم تسكر والعربات تهرب. سكرنا سوق النحاسين وسوق البازركان ومن هناك ونحن رايحين الى السرايا كانت طالعة من هناك شاحنات فرنسية رتل، الناس ضربتها بالحجارة. أذكر أنا تعمشقت أنا وواحد اسمه عبدالغني أبو لقمة لحقنا آخر واحدة صعدنا وكانت محملة تنك بنزين، كان البنزين مفقود يومتها، كمشنا كل واحد تنكة وشلفناها على الأرض.. تفختو وتكسروا... هربنا الناس حملت تنك البنزين وهربوا وذهبت الشاحنات. بعدها برمنا طريقنا باتجاه البنك العربي.. هناك كان فيه جنينة مزروعة موز باتجاه الحلاب كان فيه كراج للترمويات هناك صرنا كثار لقيت أنه أصبح معنا مشايخ وعلماء وطلاب مدارس ومعلمين وفيه وجهاء من البلد.. من المطابع الى الصفدي الى حيث الـ«أ.ب.ث» الآن ماشيين باتجاه طريق الميناء... حيث كراج الأحدب الآن ولم يكن طريق بيروت الحالية لم يكن إلاّ الطريق الى الميناء وبالنّص كان فيه شجر دلب كل واحدة منها بدها زلمتين ليكمشها. نحنا وتحت هالدلبات على آخر الدلبات هونيك طلعوا علينا الدبابات... دبابات فرنسية، أنا كنت شايف قبل منها عند المنشية - الصوفي كنت شايف سيارة جيب ضابط فرنساوي أبرص ومعو كم واحد فرنسي وسنغالي بالجيب المسكر. هون ضربناهن بالحجران، لاقونا من ثاني مفرق وطلعوا الدبابات... هونيك الدبابات «بلشو عن أبو جنب» في يدي عصا طلعت على جنب دبابة صغيرة بدي اضرب هيدا العسكري هيدا الضابط الفرنسي اللي عم يعطي أوامر أنا طلعت على جنبها ما بعرف كيف فتلت كيف فاتت إجري وخرطتلي إجري خرططها كانت مزوّعة منيح وعلقاني هيك نتفة صغيرة أنا أغمى عليّ.. ما عدت وعيت إلاّ أمام قهوة فهيم هونيك سيارة الزبالة تبع البلدية (يضحك) قتلى بيطلع عشرين واحد وأنا منهم من الجملة مع القتلى ولا زلت أذكر رجل هو ابن الحميصي كان موظف بالبلدية قال لي انت ابن مين قلت له: انا ابن نديم البيسار أريد ان يخبر أحدهم أبي وأهلي وغبت عن الوعي...
... بعدها يخبرنا عما حصل معه في المستشفى الحكومي يللي هو تحت سيطرة الفرنسيين وكيف كانت قدمه معرضة للبتر وكيف هرّبه أهله منها وتمكن من الاحتفاظ بها بعد معالجة طويلة في مستشفى الاميركان في الميناء أما عمن يذكرهم من الجرحى والقتلى فيعدد أذكر سليم الشامي كان معه فرد نمرة 7 يقوص عليهم هو الوحيد من كان معه سلاح.. قتلوه.. كان شاب جميل يلبس شروال عربي.. أيامها من معه فرد نمرة 7 يشار عليه بالأصابع. ومن الجرحى أذكر عبدالرحيم حيد أكلها بكوع يده وهي حتى الآن لا تتحرك كان موظف في بنك والآن مسافر في أوستراليا، برهان الشامي أصيب أما عن الصورة التي لا زالت معلقة في ذهني فهي كيف سقط رمزي حجازي عن شجرة الدلب وكأنه عصفور اصطادوه كالعصفور الله يرحمه.
محمد صافية




ماذا يقول محمد وطه صافية حول أحداث ذلك اليوم؟
في يوم 13 تشرين الثاني، قبل كل شيء لا أذكر كيف وصلنا خبر المظاهرة لكن يمكن عن طريق أخي بالمدرسة، ونحن عادة كل حدث نريد ان نساهم ونشترك فيه، او ممكن عن طريق أبي حيث كان يعمل في مصنع فيه حوالى 60 عامل أغلبهم من جماعة عبدالحميد كرامي «أبو رشيد»... يومها طلعنا أنا وأخي سيراً على الأقدام وصلنا طرابلس وكانت المظاهرة وصلت بالقرب من «كراج الأحدب» حالياً هناك التحقنا بها وسرنا معها، هذا هو مطلوبنا، وصلنا الى شارع المصارف الآن الموصول بشارع الجميزات وعلى المنعطف ظهرت ثلاث أربع دبابات ووراء المنعطف كان يوجد دبابات. على الدبابة الأولى وفي فجوتها كان ضابط فرنسي أذكر شكله يمكن ان أتعرف اليه اذا ما شاهدته أعتقد أنه مات الآن... التظاهرة بقيت متقدمة، الضابط يعطي إشارة، يمكن الدبابات كانت تحمي مركز للأمن العام بشارع الجميزات... كان للفرنسيين... وكان هناك مفوض سامي او مسؤول كبير بالأجهزة الفرنسية لا أعرف صفته بالضبط.. المتظاهرين كانوا يتجهون للاحتجاج هناك أمام مركزه على اعتقال زعماء الاستقلال عبدالحميد كرامي، بشارة الخوري، رياض الصلح وغيرهم...
... فالضابط الفرنسي بيعطي إشارة لأنو اللي كانوا معو سود «عبيد» من السينغال.. وتبلش الدبابات تواجه الناس.. والكل كان طلاب وعزّل وممكن ما فيه عصا.. يعني أول دبابة دبابته دخلت بين الناس.. واجهت الناس.. مثل الموج بالبحر.. يعني كيف زورق بخاري يشق الموج، شق الناس، وبدا الناس.. أنا كان أخي صوب مني بعدما «ركدنا شوي» يقع أخي متعثراً بالرصيف فأسحبه من الشارع وأتركه على الرصيف وأكمل ومن باب حديد، مدخل عمارة، أدخله وأصعد الى الطابق الثاني وأشاهد ما حصل في الشارع دماء القتلى والجرحى على الأرض.. في هذا الوقت يصل الدفاع المدني.. أذكر أحد العاملين بالاطفائية، أعتقد أنه لا زال على قيد الحياة، يلم القتلى والجرحى ولا أزال أذكر قميصه الأبيض الملطخ كله بالدم فتحول أحمر هذا ما أذكر... صوت الرصاص وعرفت ان ثروت الأفيوني قتل وقتها أذكر اسمه لأنه من الميناء ولأنني أعرفه ابن الميناء باقي اسمه بذاكرتي هذه الحادثة من 51 سنة وهذا ما أذكره وأخي أعتقد أنه يخبرك ما صار معه لأننا افترقنا من وقوعوا على الرصيف ولم نلتق إلاّ بالبيت بعد الظهر يومها...
رواية طه صافية




الحديث الذي تفضّل وحكاه أبو نوري عندي صورة عنه وبالنسبة لي وقت الحادث كان عمري 10 سنوات. وقت وقوعي على الطريق نصفي على الرصيف والنصف الآخر على الطريق و«الدبابات ماشية» وقعت وقتها بسبب الهيجان، وبسبب الناس الذين مرقوا فوق الناس، مثل ما شرح لك «أبو نوري» «لنش وماشي» والماء على الطرفين قسموا الناس بشكل همجي، لم يتصور أحد من السائرين بالمظاهرة السلمية ان يحصل ما صدر عن السلطات الفرنسية في ذاك الوقت. كانت معروفة الأعمال القمعية ولكن ليس بهذا الشكل. فأنا وقعت على الرصيف وانضرب رأسي ونزل مني دم كثير.. كل ثيابي صارت دم بعدما وقفت رحت على الباب كان فاصل بين طريقين الجميزات وطريق المصارف ومن هناك مشيت مع الناس الذين كانوا متجهين صوب مقر المفوض السامي الفرنسي حسب اعتقادي. تجمهرت الناس هناك أمام البناء وكانوا حوالى 150 او 200 شخص وكانوا يهتفون لا أذكر الكلام ولكن المعنى واضح احتجاج على ما عملوه بالمظاهرة وعلى اعتقال قادة الاستقلال على رأسهم بالنسبة لطرابلس عبدالحميد كرامي..



هذا كل ما أذكره بعدها لم تطول المظاهرة لأن إطلاق النار العشوائي صار.. طبعاً كان أكثر شيء من فوق العالم. والمظاهرة انتهت بهذا الشكل. كل واحد أخذ اتجاهو أنا عدت الى الميناء، سيراً على الأقدام، صار الناس تسألني: كيف أصبت.. فحكينا لهم عن الحادثة كيف صارت.
أسماء الشهداء
قافلة الشهداء الذين سقطوا في طرابلس خلال التظاهرة في 13 تشرين الثاني، وهي مجمعة من أكثر من مصدر وليست نهائية بالضرورة، تضم «14» شهيداً، أما الجرحى فالمصادر إياها تختلف. فمنهم من يقول أنهم 17 ومنهم من يؤكد أن عددهم يفوق الـ25 وبالحالتين لا توجد أية معلومات عن أسمائهم.. أما أسماء الشهداء المجمعة من صحف وبعض الشهادات الشفهية فهي:
رشيد رمزي حجازي، فوزي قاسم شحود، محمد ثروت عبدالغني أفيوني، عباس ابراهيم الحبوشي، محمد علي حسين خضر، أحمد صابر كلثوم، عبدالقادر مصطفى الشهال، كمال عبد الرزاق ضناوي، وديع خاطر بركات، أحمد صابر جوجو، محمد حسن المحمد، سليم الشامي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق