....
قبل زحمة المهرجان !
بعيدا عن طرح
مشروعية الهوية والأهداف المقصودة للمهرجان فإن "طرابلس للأفلام" يكاد
يكون منجزا "بالشكل" على أكمل وجه ،لا تجد خطأ تنظيميا ، مرتب ومهندس
على "الميللي ميتر" مطبوعات ،إعلانات عملاقة ،حفاوة ،شباب يستقبل ،
تقنية عرض ممتازة تجاوزت هنات سابقة. غير ان ما هو متطلب للإجابة عن المضمون !،
فقد نغرق بكثير من التفاصيل حيث تكمن شياطين الآراء المختلفة والمخالفة بعضها عن بعض
،
فتأتي الأسئلة :
هل وصل المهرجان
الى مصالحة المدينة مع السينما ؟ ما يعني هل اتى جمهور المدينة ، ومن يفترض به ان
يقصدها بالمناسبة ،الى الصالات المعتمة المجهزة بأفضل ما يمكن ؟ هل كانت المؤسسات
المحلية بأعضائها ،الداعمة منها والشريكة ،والمفترض بها ان تكون أم الصبي ،على قدر
المسؤولية في المواكبة ؟ هل اثبتت انها مليئة وحاضرة في المجتمع وقادرة على
استقطابه ؟ أم ان ثمة عطب ما ؟، في مكان ما ؟! ،يشوب خطط المهرجان ؟ والتي تمت كل
مراحل أمور استعداداته على أمل زحمة للحضور ؟ وهل يشكّل الغياب والنفور وبالتالي الابتعاد
عن صحبة الصالات لحضور الأفلام هي العادة المتبعة لعموم ابناء المدينة ؟ وما وجود
الصالات ،القليلة الباقية ، سوى الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ؟ ام ان جهودا
تسويقية مختلفة ومبتكرة باتجاه الجمهور لم تمارس ؟ او ان البرمجة كانت تحتاج الى
الابتعاد عن ايام الاسبوع الأولى لإستحالة الوصول الى مشاهد متفرغ صبحا ومساء خلال
ايام العمل والدراسة ؟
كل هذه الأسئلة
تبدو مشروعة ،حتى ولو كان لها إجابات مقنعة ، غير انها تدور حول نقطة واحدة هل
ساهم المهرجان بتحسين صورة المدينة للوفادة ؟ واستعادة صورتها كحاضنة لأكثر من
ثلاثين صالة سينما كانت كلها ناجحة تجاريا تتوزعها مختلف نواحيها ،وقد اصبحت الآن
لا تتجاوز أعدادها أصابع اليد الواحدة، وهل استطاع المهرجان الوصول الى
"السينيفيليون" الذين كانوا، باعدادهم في عرض واحد أواسط الثمانينات
يتجاوزون كل ما تجمّع من اعداد الحضور في كل ايامه الطرابلسية الاخيرة ،هذا اذا ما
قصرنا المقارنة بالنشاط السينمائي وحده ولم نتجاوزه الى نشاط من نوعية أخرى أقامته
مجموعة " ريبراندنغ تريبولي " التي تطرح نفس الأهداف لتحسين صورة
المدينة واعتبارها مقصدا جاذبا ،وأقيمت بفارق زمني لم يتجاوز الأيام ،
بحيث وصلت
ارقام المارين والمنجذبين لمشوار التسوق والإستمتاع ال13 ألف أو ال11 ألف مواطن ،
قدمتها إحصائيات لشركة او مجموعة مختصة قامت بهذا التعداد، اتى الناس من مختلف
المناطق الى شارع نديم الجسر ! وعلى هامش هذه الحالة هل بالإمكان معرفة
"عدد" واضح للحضور الذين اثارهم المهرجان بعناوينه والذي امتد على
ثمانية ايام وليس على نصف نهار ؟
يأتي هذا الكلام
بعد ان تحولت الظاهرة لتصبح مكرسة في أجندة عالمية / محلية يعتبرها الناقد ،عضو
لجنة التحكيم، " أحمد شوقي" تدخل في نطاق " حسب تقديرات من المستحيل الجزم بدقتها،أن هناك حوالي أربعة آلاف
مهرجان سينمائي نشط حول العالم، من بين حوالي عشرة آلاف مهرجان سينمائي أقيمت دورة
واحدة منها على الأقل خلال القرن الحادي والعشرين. رقم هائل حقاً يكشف عن حجم هذه
الصناعة التي تشعبت أنواعها ودروبها ومصالحها..".وإن كان "..طرابلس
للأفلام" قد وجد طريقه المنسق بين ، كان – الألبا – قبوط – وغيرها، باعتماده
قامة اساسية ومؤسسة في السينما اللبنانية موضوعا للتكريم مجسدة بشخص المخرج
الطرابلسي "جورج نصر" ومهديا بذلك الطبعة الرابعة له كتحية مستحقة.
كما ان البرنامج صادف بأن جازف بتعديل
مواقع عروضه بحيث استطاع إنهاء " شراكة دامت أربع سنوات مع مركز الصفدي
الثقافي، أحد المراكز الرئيسية في المدينة، بسبب إصرار القائمين على المكان ألا
يحدّثوا أجهزة العرض في قاعة السينما. بحيث ظهر ان مدير المهرجان "الياس خلاط"
قد امتلك رفاهية محدودة للاختيار بين ثلاثة أماكن هي الصفدي، وبيت الفن، والرابطة
الثقافية (مسرح قديم تم تطويره وأعيد تجهيزه).." كما كتب "شوقي"
أيضا.
اما من ناحية البرمجة فظهر ان مساندة مهرجان
"كلير مون فيران" وبالتعاون مع "المركز الفرنسي" قد تحولت
لتصبح مبدية حرصا واضحا على الانفراد بتقديم عروضهم بشبه استقلالية عن متن
البرنامج الأساسي للمهرجان.
وظهر ايضا على السطح ،جليا، ان الإعلان عن
الدعم الواضح والمقدر ب 60% من الكلفة المالية للفعاليات أنها مقدمة من قبل برنامج
" يو إس إيد " مما جعل الأمور تقارب ال"وضوح والشفافية"
المتعلقة بمستوى المشاركات المتعددة المصادر والتي تحضر من خلالها بعض المؤسسات
المحلية وكأنها تقدم خدمات " رفع العتب" وقد تتمظهر ايضا بغياب جمهورها
عن الحضور أو تغيبه في أسوأ الاحتمالات!
وبعيدا عن الدخول في استعراض الأنشطة
والأفلام وما تقوله ولغتها السينمائية وهي كثيرة وغنية ومتنوعة وثائقية وروائية ،
الأمر الذي قد يظهر تطفلا على جمهور لا يرغب بذلك ، استفزني وجود فيلم واحد هو آخر
افلام محمد خان " قبل زحمة الصيف "، وربما لأنه كان يخطط لحضوره ، والذي
ظهر لي انه فيلم جميل يظهر تماسك لغة مخرجه وقدرته الهائلة على صناعة
"البديع" من أمور الدنيا، التي تبدو بسيطة كما والأكثر تعقيدا في آن ،
ومن يوميات تعكس الهدوء والسكينة بلغة الكادرات النظيفة والتقطيع الساحر، والقبل
المسروق المستعادة ، وتآلف التناقضات، متابعة لأفول كثير من المشاعر وتماسك
العلاقات الإنسانية على زغل أو غض الطرف ،بين القبول والصدّ والتمسك بحياة تسيل
قليلة وبعيدة عن "الزحمة" تساعدنا لتمثّل الحالة المشابهة لما يجري في
الفيلم مع ما يحصل للمهرجان.
فالمشهد الأخير .المشهد المطلوب ،لا يأتي
في الواقع ، لأن ليس كل ما يحصل كما يشتهى له ان يكون ،لأن الصيف الذي سيأتي لاحقا
، كما في الفيلم ، كما في الأفلام خارج قانون العرض والطلب وصفقات التمويل الرابحة
"حتما" والمجزية ،وتكون قد أبرمت في الغرف المغلقة، البعيدة عن العينان.
وهي أفلام تكتب لجمهورها الذي يحب السينما ! قبل زحمة المهرجان
..وربما ، لا بل
بالتأكيد، التي لم تأت الى المهرجان.
جان
رطل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق