"حسين
ضناوي" الرابطي المفكر الحقوقي السياسي
بالتأكيد لم يأتي
" حسين ضناوي "،الأستاذ المحامي ،الى اهتماماته الثقافية المتعددة من
فراغ .وقد لا أحيط ،شخصيا، بالمروحة العريضة التي كونت هذه الاهتمامات، المطعمة
بالسياسة الحزبية ربما، وبدون الغوص في مكونات السيرة الفكرية والادبية والثقافية
عامة، ستتوافر عبر حوار ولقاء طويل مع صاحب البورتريه يسعى من خلاله الى فلفشة
أوراق السنين، الامر الذي لم يحصل بعد.
غير ان ما أجدني
مدفوعا لمحاولة تقديمه ،وتصويره عبر الكلمات ،هو رد على نزوع شخصي ،فردي، يتوسل
الوصول الى "بورتريه" للرجل الذي لطالما اعترف كثيرون بباعه الطويل في
النشاط ، والتنشيط، الثقافي، والفكري العام لما يربو على النصف قرن ويزيد.
وقد عرفت فيه
مساهما في اختراع اكثر من مشروع. وعضوا مؤسسا في أكثر من تجمّع وهيئة. كما أعترف
له ان لخطوته ، المؤسسة لنشاط مسرحي في الرابطة الثقافية، كان لها الأثر الواضح في
خياراتي الاكاديمية. لن أكتب هنا فصلا من "حياتي في الفن" كما فعل
"ستانيسلافسكي"! وقد يتساءل سائل لما كل هذه الديباجة كما ولما هذا
الحديث الآن عن الرجل ، ما هي المناسبة؟، وعادة يستصرح المرء يكتب ويكتب عنه ويطلب
منه المواقف لأمر ما! لغاية .بالواقع لدي مناسبتي وهي متعلقة بإهدائه لي تسعة كتب
، سأحاول إيراد عناوينها في سياق المقالة، كانت بمثابة رد على ما ورد في كتابي
" دق الخشب" بكونه حمل مدخلا الى توثق متأخر لمغامرة انشاء فرقة مسرحية
للرابطة الثقافية كان هو محركها.
مناسبتي اصبحت
واضحة تسعة كتب مقابل أسطر في كتاب..! كرم وأريحية وود موصول لا أمل لرد التحية ،
في حالتي ، بغير الكلمات !
عرفت الاستاذ حسين
من خلال اللقاءات التي اسست لمحترف التدريب على فنون المسرح سنة 1973 اداره بشؤونه
العملية "فائق حميصي" المتخرج حديثا ،أيامها، من معهد الفنون وحيث ان "حسين
ضناوي" ،بشكل أساسي ،مع بعض القليل من مداخلات آخرين، تكفل بألقاء محاضرات
ودروس نظرية حول المسرح والتيارات المسرحية. وقد هدف من ذلك إلى إنشاء فرقة للمسرح
تمتلك حدا ادنى من الثقافة المسرحية العامة متسلحا بكتب ومتابعات ميدانية سبق له
تحصيلها والاضطلاع عليها ، كحركة مسرحية ناشطة في الستينيات، خلال فترة دراسته
الجامعية في القاهرة .
لم تتطور الامور
بشكل إيجابي لكنه أعاد المحاولة مرة ثانية سنة 1989 وكان عدد الملتحقين أكبر وقد نتج
بعد فترة طويلة من الاعداد عرض مسرحي اختباري تمكن من اظهار قدرات العناصر بشكل
لافت وواعد كان بعنوان "تقاسيم" كما تم المباشرة في التحضير لمسرحية
كاملة إعدادا عن مسرحية "الدكتور" ، للمسرحي "برانيسلاف
نوشيتش" وهو من مدينة بلغراد ،والذي سبق وان اختيارها للفريق المسرحي بنفسه
حسين ضناوي ولكن لم يتقدم الأمر، أيضا، لغير مرحلة إعداد الفصل الاول وبعضا من
الثاني .غير ان نتائج هذه المرحلة ،التي اديرت من كاتب هذه السطور ،أثمرت عناصرا
موهوبة تتألق الآن في أكثر من مجال أبرزها
"عمّار شلق" الحاضر في الدراما التلفزيونية والمسارح وايضا برّاق صبيح و
جان حجّار و نضال سلوم الذين ينشّطون أكثر من نادي للفنون عماده الشباب .
المشروع الثاني
الذي أطلقه ،الاستاذ حسين، وأعتقد شخصيا انه كان محرّكه الخفي والمعلن في آن، فهو
المكتبة الكبرى الذي كنت اواكب بناؤه الفعلي على مدار أيام تواجدي في
"الرابطة" ،بصفتي "ريبورتر" تلفزيوني لعشرات السنين، بعد
تتبعي لتخمّر الحلم لسنين!، وخاصة خلال ايام معرض الكتاب السنوي حيث لطالما التقيته
يتأبط كتبا يجمعها ويختارها بحرص وحرفية مثقف عالم من أجنحة دور النشر والمكتبات
فينقلها ويدخلها بعناية الى غرفة الادارة التي كانت تقع في الطابق الاول بحيث
اصبحت ،وأستعيد هنا ذاكرتي البصرية، تؤسس لفائض عن رفوف المكتبة المحدودة
الاستيعاب .فبدا وكأن الغرفة تغص بما تحتوي وتئن. ولطالما أفضى الي "الاستاذ
حسين" بأن هذه الكتب ستكون نواة المكتبة الكبرى. حكاية المكتبة لها مسارها الخاص
وهو المسار الذي كان من المتوقع ان يحولها الى مؤسسة منفصلة لها تمويلها
الذاتي ومجلس أمنائها ، غير ان تعثر العمل
الجماعي المثابر والمخطط لمراحله مكتوب له في أغلب الاحوال ،وربما هي خاصية
طرابلسية!،أن يجهض مشاريع رؤيويه.
المشروع الثالث
والمتصل بالمكتبة ،وإن كان له الحضور
والاستمرارية ولو بأدنى ما كان عليه ،فهو معرض الكتاب الذي كان يقام في مركز
الرابطة ومبناها ،وهذا لا يضيف شيئا، غير ان الأنشطة المرافقة له من ندوات وحفلات
منوعة تصل الى مسرح الاطفال ومعارض تشكيلية فهي ما كانت تسبغ على الحدث بعدا ما
فوق المحلي. ولو انتبهنا الى الاحصائيات التي كانت تقوم بها الجامعة اللبنانية عبر
معهد العلوم الاجتماعية والخلاصات التي كانت تخلص اليها، من نوعية القراءة
وارتباطها بالانتماء الاجتماعي والفئة العمرية وتوزعها بين الاناث والزكور ..كلها
امور كانت تحول معرض الكتاب الى ما هو حالة تفوق تأمين الكتاب وتوفيره ،خاصة لما
هو صعب الحصول عليه خارج تظاهرة مشابهة، وبأسعار مقبولة مع حسومات حقيقية. ربما
تلك الايام كانت خلالها القراءة مزدهرة ولكن بكل الاحوال المعرض لا زال حاضرا في
روزنامة الأنشطة الثقافية البارزة في المدينة.
حتى ان أمر
الاحصائيات والدراسات الاجتماعية المستندة اليها والتي رافقت معرض الكتاب لفترة
قصيرة من الزمن ،وقامت بأشراف الجامعة اللبنانية عبر معهد العلوم الاجتماعية ،وهي
التي فندت توجهات القراءة كانت مشروعا من مشاريعه كما انشاء جائزة طرابلس و
احيائها لسنتين على التوالي تشجيعا للدراسات والاعمال الادبية. وقد اكتفي بالإشارة
فقط في هذا المجال تاركا لمن واكب هذه الشؤون عن قرب أمر التوسع بها. ولكن لا بد
من ان اشير الى مساهمته في وضع الاساس القانوني، النظام الداخلي وخلافه، ومع
آخرين، للمجلس الوطني للعمل الاجتماعي الذي ساهم عبر جمعيات المجتمع الاهلي في
ادارة شؤون الاوضاع الحياتية خلال جولات الحرب الاهلية.
إلا ان الحديث عن
استاذ حسين لا يستقيم ولا يكتمل بدون الإشارة الى فصل من فصول حياته الفكرية
والمتعلق بانغماسه الحيوي في السياسة من خلال انتمائه الى حزب سياسي وخروجه منه
وقد توفر لي قراءة المراجعة الذاتية للموضوع (المنشورة في التمدن) وهي مكثفة
وانطباعية فيها الكثير من اللغة المترفعة والمحافظة على المقامات وعلاقة الصداقة
والزمالة .واحترام التجربة الشخصية كما تاريخ الآخرين المواكب مع الإبقاء على حد
كبير من التكتم مبتعدا عن الاجهار بأسباب انسحابه من الالتزام الحزبي سوى تبنيه
لفكرة تولي العسكريين شؤون السياسة "كرهت عمل العسكر بالسياسة" وهذا
التحفظ والرقي سمة من سمات خطابه الدائم .لكنني لم ارى تصريحا واضحا منه عن مواقعه
التي تبوأها بالحزب كالتصريح الذي جاء في سياق كتابته لسيرته الذاتية المفكر
والفيلسوف د. معن زيادة* حين قال:" لم أقم علاقة صداقة مع كثير من العراقيين،
ولكن القليلين الذين عرفتهم كانوا طيبين جدا. وقد تعرفت الى صدام حسين وكان أحد
زملائي في المرحلة الثانوية في طرابلس مسؤولا حزبيا عنه." وبطبيعة الحال
الزميل المقصود هنا هو بدو شك " حسين ضناوي "الذي كلما تعرفت على وجه من
وجوهه أكتشف الندرة التي ينتمي اليها.
هذه الصفة التي
كان يتمتع بها لم تجعله يتخلى عن تحفظه و ديبلوماسيته وصرامة قدرته على مطالعات
فكرية بأبعاد انسانية عالية الالتزام يبقي استاذ حسين نموذجا متفردا من المثقفين
الذين يعملون أكثر مما يتكلمون. فتجدهم حيث الابتكار واختراع الميادين بتفوق على
الظروف مقدمين الجهد الدؤوب والمؤثر.
قد يكون فاتني
الحديث عن الكتب التي اهداني اياها وإن كانت المدخل الذريعة لكتابة
"بورتريه" عمن لم أكلف بكتابة اي شيء عنه مع انه من الواجب الحديث أولا
عن مؤلفاته لتكتمل الصورة وهي ثلاثة كتب سبق ان كتبت مراجعتين عن
"مشوار" مجموعة القصص التي نشرها وكذلك عن " شهادات للحرية
والتغيير" حين صدورها وعلمت ان له كتاب عن "الشيخ محمد رضا" لم يتيسر
لي الحصول عليه.
غير ان ما اهداني
من كتب تمثلت بسلسلة من المسرحيات الصادرة كملحق منفصل لمجلة المسرح المصرية التي
لعبت دورا بارزا في نشر ثقافة راقية للمسرح مع متابعة نشاط النهضة
"الثانية" للممارسة المسرحية في الوطن العربي وهي على التوالي : "ياسين
و بهية" من نجيب سرور، "سيما أونطا" من نعمان عاشور ، "حسن و
نعيمة" و "الملك معروف" من شوقي عبد الكريم ، "اتفرج يا
سلام" من رشاد رشدي . الى هذه الكتب الكتاب الذي تذكرته ،في معرض تجربة محترف
الرابطة ،ملقيا منه معلومات "فن كتابة المسرحية" لابوس ايجري من ترجمة
درينى خشبة ويبقى الى جانبه الكتاب المثبت في أول المقالة ودراسة "د. على
الراعي" عن مسرح برنارد شو التي استأنس بها هذه الايام ،كما وعدتك استاذ
حسين، امام طلابي في الجامعة خلال تناولي لمسرحية شو"بيغماليون".اما
الجزئين المتعلقين "بلويجي بيرانديللو" فسيأتي شأن الدخول في ما يتضمنان
مع اثارة موضوعة "المسرح داخل المسرح" انطلاقا من ثلاثيته و مسرحية
"كازانتزاكي" وصولا الى حفلة سمر من أجل خمسة حزيران للراحل "سعد
الله ونوس" .
الرحلة معك
وبمعيتك منشطة للذاكرة ، التي ترفل بالعرفان والإحترام والتقدير ،وهي قد تبدو
للبعض فائضة وكأن ما جاء فيها يستأهل ان يكون لزوم الشؤون الاكثر دسامة غير اني
اراها مقصرة وعذري انه ، من زاويتي الهامشية ربما ، هكذا عرفتك "حسين
ضناوي" الرابطي المفكر الحقوقي السياسي صوت عودة الروح والمنشّط الثقافي أولا
وأخيــــرا .
جان رطل
·
ص 79 / معن زيادة // الفصول الاربعة ، سيرة
حياة // دار رياض الريس – الطبعة الاولى -
كانون ثاني 1999
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق