الخميس، يونيو 04، 2015

احتفالية " الانطونية " في تدشين المبنى الجديد


احتفالية " الانطونية " في تدشين المبنى الجديد
الاستثمار في الحجر تتويج لمنحى لقاء  الجذور




ليس في احتفال تدشين مبنى جديد لمدرسة،في مدينة، ما يثير الدهشة خاصة عندما نعرف أن هذه المدينة ازداد عدد سكانها بشكل كبير وذلك خلال العقود الأخيرة ولو شئنا الارتكاز على أرقام الستينيات فبدون شك أنها جاوزت الضعفين.غير أن التحول والتطور الذي أصاب مدرسة "الأنطونية"،كما يحلو للمزاج واللسان الشعبي أن يطلق عليها التسمية،هي من الأمور التي تعاكس منطقا آخر لا علاقة له بالتمدد والتوسع الذي قد يصيب صرح علمي تربوي،خاصة عندما نعاين انهيارا وهجرة لمدارس تجاوز حضورها في المدينة المائة سنة،وهنا نتحدث عن فضيحة انتقال "الفرير"بتخلصها من سلة ضخمة في ثلاثة مواقع عقارية وهذا من عشرين سنة وبدون مبرر والآن ما جرى لمدرسة "الأرض المقدسة"في تعتيم وخفة لا يتحليان بها أعمال الرهبانيات وخاصة الإرساليات منها باعتبارهم لا يبغون الربحية!،وهنا لا نتحدث عن مؤسسات اضطرت للتبديل بمواقعها أو عملت على إنشاء فروع لها في مناطق قريبة جدا على سبيل التمدد والتوسّع،بعيدا عن كل هذه الإشكاليات نكاد نهلل،لا بل نذهل،للإرادة التي جعلت من "الرهبانية الأنطونية المارونية" تصر على السير ،ومنذ ما يقارب الخمس سنوات بالتحديد على وجه التخصيص،في المضي قدما على طريق تنفيذ مخطط طموح وضع بعناية لتطوير وزيادة القدرة الاستيعابية للمدرسة بما يفوق الثلاثة أضعاف على ما كانت عليه،من 500 تلميذ الى ما يوازي 1500 طالب وتلميذ،مع تأمين التحول ،على مراحل،من ما كانت عليه المدرسة باعتبارها مجانية إلى شبه مجانية ومن ابتدائية فتكميلية إلى الدخول في تأسيس المستوى الثانوي والتخطيط لمعهد مهني. 



للوصول إلى مجمل هذه الأهداف كان لا بد من التوسع بالمساحات وشراء الكثير من العقارات الملاصقة للمدرسة بحيث أصبحت تستحوذ على أملاك عقارية مضافة تفوق الأربعة إضعاف ما كانت تمثله  مساحتها الأصلية،  وذلك بدون احتساب "سينما فيكتوريا"وما يمكن لها أن تتحول اليه لاحقا من ضمن خطة التوسع. وبهذا ستصبح المدرسة من ضمن المدارس الكبرى في المدينة وهي بذلك تهدي نفسها،بمناسبة حلول ذكرى الخمسين على التأسيس،متابعة لمسار اجتازته من بضعة عشرات من الأطفال ومبنى بغرف قليلة وطابق ثان مسقوف بالاترنيت،وصفة مدرسة مجانية إلى شبه مجانية إلى استيعاب المئات والطموح الوصول إلى ثانوية ومهنية تستقبل ما قد يتجاوز الألف وخمسمائة تلميذ وطالب لتكون ثانوية بمنهاجين فرنسي وإنكليزي.



حكاية نجاح واستثمار في التربية والرعاية تقدمها الرهبانية الانطونية المارونية إلى المدينة وقد لاحظنا ان احتفالية تدشين المبنى الجديد ،الذي يعتبر مرحلة أساسية في التحول،بدا وكأن كل المدينة اجتمعت له وفرحت به وقد دبت بالمفتي الشيخ الدكتور مالك الشعار الحمية فاعتبر ان عليه مع كل الفاعليات السعي لإعادة المدارس التي خرجت ليكون لها حضور في ورشة بناء الإنسان وتربيته.ربما لهذا تجدر العودة الى وقائع الاحتفال.
                                                     ج.ر.


                                       ألاحتفال  


    

بداية إحتفالية التدشين للمبنى الجديد الذي جرى في يوم الجمعة 8 أيار كان مع النشيد الوطني ومن بعده كلمة ترحيبية أعدت من قبل الهيئة التعليمية قدمها ،كل من ...كما قدما الفقرات المكونة للبرنامج..تلى ذلك كلمة مدير المدرسة الأب شكري الخوري الأنطوني الذي شاء ان يأخذ لها عنوان 



"منارة تربوية في ميناء العيش المشترك" وتحدث في متنها قائلا :"إخوتي الأحباء نحنُ اليومَ مغبوطونَ لأننا في لقائِنا لسْنَا ندشنُ بناءً جديدًا وحسب بل إننا في لقائِنا نؤكدُ على عَظَمةِ عملِ اللهِ في حياتِنا ونؤكدُ على التزامِنا معًا بالانسانِ الطرابلسيّ الميناوي،نحن سعداءُ لأننا نشهدُ معًا بالمحبةِ والعملِ والتضحيةِ والعلم والمعرفة لتبقى مدينتنا مدينة العلم والعلماء وملاذ العيش المشترك(...) هذا الجسرُ الذي يعبرُ عليه أبناؤُنا ليكونوا أسيادَ هذه المدينةِ وحماتُها. إن أولادَ هذه المدرسةِ مؤمنونَ باللهِ ومخافتِه فلكلِّ ولدٍ من أبنائِنا المساحةُ الكافيةُ ليعبّرَ عن إيمانهِ والتزامِه الديني، فتارةً يزورُ التلامذةُ الجامعْ، وتارةً أخرى الكنيسة بهدفِ التعرّفِ على اللهِ الواحِد الجامعِ للكلّ.إيمانَنا باللهِ لا يصلحُ إلا في قبولِ الآخر في الأخوةِ الشاملة.فللآخرِ أيضًا وأيضًا مساحةٌ ليشاركَ زميلَهُ بثقافَتِهِ وهواجسِهِ ومحبتِه .لأن الآخر هو شريكي في مقاعدِ الدراسةِ وفي اللعب وفي النشاطات،لأن الآخرُ هو شريكي في مدينتي وفي وطني فلا مكانَ للرافضية والإلغاء والأحقاد داخلَ أسوارِ المدرسة، إنّما متسعٌ للأخوة بِمفهومِها المطلق.".
إخوتي الأحباء، لا أرغبُ في أن احاضرَ في هذه الأمور وأنتم اسيادُ المعرفة بما نواجهُه من مخاطرَ وتحدياتٍ، ولكني أرغبُ أن اقولَ كلمةً واحدةً ومن القلب:إنّ الرهبانيةَ الأنطونيةَ هي ركنٌ من أركانِ هذه المدينةِ وهي لم تَسْعَ يومًا إلا لبنيانِ الانسانِ والمساهمةِ في الحفاظ على فيسيفساءِ مكوناتِ المجتمعِ الميناوي الطرابلسي؛لقد بنتِ الرهبانيةُ هذا الصرحَ الجديدَ رغمَ كلِّ التحدياتِ ورغم كلِّ المخاوفِ ايمانًا منها بأنَّ الحجرَ ليس أغلى من البشرِ فلبناءِ البشرِ لا بدَّ من الحجرِ.هذا الحجر:تحت ظلّهِ نتحصّن يومَ تعصفُ الدنيا بالأحقادِ / ومنِه ننطلقُ يومَا لواجب فنكونُ لهُ بالمرصاد".وها هي طرابلس تتخطى المحنَ الواحدةَ تِلوَ الأخرى وها انتم معنا اليومَ ونشكرُ اللهَ عليكم، ونحن أيضا نحبكم.


          
       تلاه مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعّار ومما تحدث فيه :"كما طلب الينا سيادة الاب الاعز شكري الخوري صاحب هذا المسعى الكبير الذي لولاه بمساعدة قدس الانطونية ربما لم نجد مثل هذا المعلم الحضاري الذي نعيشه فيه. الى الساعة السادسة وانا انوي ارتجال الكلمة ثم آثرت ان أكتب جزءاً منها.المدرسة في اللغة اسم مكان، أي المكان الذي يدرس في الإنسان،والدَّرْسُ الذي هو مصدر لو رجعنا الى جذره في اللغة، والذي هو" الدَّالُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى خَفَاءٍ وَخفْضٍ وَعَفَاءٍ.فَالدَّرْسُ:الطَّرِيقُ الْخَفِيُّ.يُقَالُ دَرَسَ الْمَنْزِلُ:عَفَا".ويقولون:"دَرَسْتُ الْحِنْطَةَ وَغَيْرَهَا فِي سُنْبُلِهَا. إذَا دُسْتَهَا.فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا جُعِلَتْ تَحْتَ الأَقْدَامِ، كَالطَّرِيقِ الَّذِي يُدْرَسُ وَيُمْشَى فِيهِ"."وَمِنَ الْبَابِ دَرَسْتُ الْقُرْآنَ وَغَيْرَهُ.وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارِسَ يَتَتَبَّعُ مَا كَانَ قَرَأَ،كَالسَّالِكِ للِطَّرِيقِ يَتَتَبَّعُهُ".فيتحصل عندنا مجموعة معانٍ للمصدر (الدرس) منها:الخفاء، وفيه معنى التجرُّد والتواضع،وهذا نجده عند الأساتذة الذين يبذلون حياتهم لأجل الناشئة و تعليمها".(..)وبعد استفاضة في معنى المدرسة تحدث عن التربية فأشار:"قديما قال الفيلسوف مالك بن نبي: "ليس الهدف من التربية أن نعلّم الناس أن يقولوا أو يكتبوا أشياء جميلة، ولكن الهدف أن نعلم كل فرد فن الحياة مع زملائه، إنما نعلمه كيف يتحضر".إذن فالتربية ليست مجرد تزويد الأشخاص بالمعارف والقواعد والمفاهيم النظرية،  فذلك مفهوم محدود؛ إذ لا يمكن أن نتصوره ما لم يستطع هؤلاء أن يطبقوه على أنفسهم وبيئتهم؛ وبالتالي لا سلطة له على عالم الأشخاص والأفكار والأشياء.وكذلك لا يمكن القول بأن الغرض من التربية هو إدماج الفرد في الحياة الاجتماعية أو تعليمه كيف يعيش مع أقرانه فهذا لا يمكن أن يتحقق إذا كان المجتمع لم يبلغ رشده السلوكي.وهذا هو ما ترنو إليه النظريات التربوية المنطلقة من الدين: الوصول بالمجتمع الى رشده السلوكي، الذي به يتقبل الآخرين مهما كانت أفكارهم ومعتقداتهم، وبه يحسن النقاش والحوار للوصول إلى الحق لا إلى فرض الرأي...وهكذا..وعليه فعندما نرى صروح العلم القائمة على الإيمان بالله تعالى الواحد نسر ونستبشر، وندرك بأن العملية التربوية في أيدٍ أمينة.ومن بين ما إرتجلهّ قال :"لان الذين يحملون رسالات السماء لا يمكن أبداً أن يخونوا امانة الله وان يكيدوا لاخيهم من بني الانسان مهما يكن لونه أو معتقده أو مذهبه.لا أستطيع أن أكتم غبطة وسعادة وسرور بهذا البناء التربوي والمعلم الحضاري وكم أنا حريص ان اعمل معكم جاهدا أن نستعيد كل مدرسة كانت في طرابلس وأجبرتها الظروف الأمنية لأن تتخذ لها مكان آخر. وأن نعمل لإعادة سائر المدارس إلى مدينة طرابلس مدينة العلم والمعرفة والعيش الواحد. مدينة القيم التي لا يجوز أبدا أن يضيق صدرها لا بمدرسة ولا بإرسالية ولا بكنيسة ولا بمسجد فطرابلس مدينة الحياة ومدينة للقيم مدينة للإنسان مدينة لعيشنا الواحد".




                قدمت بعدها جوقة المدرسة باقة من الأغنيات تلتها 



                  كلمة الأباتي داود رعيدي رئيس عام الرهبانية الأنطونية المارونية ومما قاله :"في سنة ١٨٥٠، دعا غبطة السيد البطريرك الماروني بولس مسعد الرهبانية الانطونية لخدمة الرعية في سيدة النجاة – المينا، والعمل على تلقين أبنائها القراءة والكتابة. ومنذ ذلك الحين، ونحن نعمل هنا، في هذه المدينة العظيمة التي اعتدنا سماع اسمها المحبّب "أم الفقير"، لـِما كان يجد فيها الفقراء حاجتهم للحياة. وما زلنا لغاية اليوم نستثمر فيها بالبشر والحجر، ونعمل مع أبنائها على خلق جوّ من التعاطي الراقي، والتبادل الانساني والروحي والفكري، يعكس سموّ الديانات السماوية ورسالتها، ورغم كل الصعاب، ما زال أهل المدينة يعملون على تحسين مستوى الحياة فيها، والعمل على درئها مخاطر المشاكل التي تعيق ايّ نمو بشري واقتصادي. ولقد آلينا على أنفسنا كرهبانية أنطونية مارونية أن نقوم بما يملي علينا انفتاحنا وضميرنا، فأسّسنا وجودنا على ما يطبع الوجود البشري في صميم كيانه، وركّزنا على التربية والحياة الروحية، وهما يشكّلان الخلفية لأي تطور وترق في المجتمع.



في هذا السياق، نجد ذواتنا في جوٍّ إيجابيّ بامتياز، نظراً لما يقوم به في هذا المجال، رجل الحكمة والانفتاح، رجل الحوار والاعتدال، عَنَيْتُ به سماحة مفتي طرابلس والشمال الدكتور الشيخ مالك الشعّار، الذي يعمل بلا ملل وبتفانٍ لنشر قِيَمِ اللقاء بالآخر والتكاتف، لتبقى هذه المدينة العريقة رمزاً ورسالة. بارك الله جهودكم وجهودنا، كي نتابع معاً هذه المسيرة الحميدة، التي وحدها توصلنا الى ميناء الأمان.
(..)فهل يعقل أن يتخيّل أحدٌ المينا من دون المسيحيين؟ كلا! هناك أمور جميلة ولافتة، وتقوم بذاتها، ولكنها لا تقيت ولا تشبع، فالقمر مثلاً جميل جداً خاصة في الليل، ولكن جماله جامد! فلا نريد أن نحرم هذه المدينة العريقة من رائحة البخور، وصوت الأجراس، وصلوات الأبانا التي تضعنا دوماً في حضرة الله. لا نريد أن نسهّل كل شيء لنفقد بالنهاية جمال التضاريس ونتوءات الطبيعة. نحن نشعر بأن وجودنا يأخذ من طعم هذه المدينة، ومن رائحتها ومن مكوّناتها، وهو ما دفعنا لأن نثبّت أرجلنا في هذه الأرض ونطوِّر خدمتنا لأبناء البلد، ونكون معهم واحداً.
فالتربية في المدرسة هي التي تكمل عمل الأهل، وهي التي تصقل التلاميذ في اكتشافهم لكيانهم ولعلاقاتهم بالمجتمع المحيط بهم. نحن آباء لهذه المدينة ونصرُّ على القيام بدورنا، نحن آباء روحيين، آباء تربويين، آباء ينشّئون على الاخلاق والمحبة... فهل يعقل حرمان المدينة من هذا العنصر المكوّن؟
في النهاية أشكر، مجدداً، أخينا الأب شكري الخوري، على الحضور والغيرة والمحبة التي جرفت قلبه، وجعلته مواطناً في المينا ككل واحد منكم؛ همُّه همُّها، وفرحها فرحه، وعمله من أجلها لا يني، بهدف تثبيتها وتنميتها. الرعية بيته الكبير، والكبار مرجعيّته والصغار مسؤوليته لتحضيرهم إلى حياة أفضل. فالأب شكري لا يعمل هنا وحسب، بل إنه جزء من الرعية والمدرسة والمينا بكليتها. فهو يطبق قول مار بولس الرسول: "لا يبغض احد جسده، بل يعتني به ويقوته وينميه" هذا الشعور هو الذي يحرك أبونا شكري في عمله مع الرعية التي كرّس نفسه من أجلها ويعمل على تنميتها والسهر عليها وتقديم كل ما يمكنه من أجلها. إنها جزء منه من رسالته من تكرسه ومن ذاته.ولا بدّ أيضاً من شكر الاب جاك الكك، الراهب المميز والمثقف اللافت، الذي يعاون الأب شكري منذ سنة، والذي انجرف بحبّ المدينة والمدرسة".



الكلمة الختامية كانت للمطران  جورج بو جودة رئيس أساقفة أبرشيّة طرابلس المارونيّة الذي تحدث عن تاريخ المدرسة وتطلعاتها ومما قاله :" يطيب لي ويسرّني أن أحتفل معكم اليوم بتدشين هذا الصرح التربوي الجديد الذي أنشئ  كمدرسة مجّانيّة سنة 1963، تميّزت منذ إنطلاقها بهويّتها التربويّة وبإنفتاحها على الجميع وبجو ثقافي مميّز أوجدته في المدينة من خلال إستيعابها للطلاب وعدم التمييز بينهم وقد إنتموا إلى مختلف الطوائف المسيحيّة والإسلاميّة ووحّدَتهم الروح الوطنيّة.ونظراً للنجاح الذي لآقته فإنّها ما لبثت أن توسّعت تدريجياً لتصبح اليوم مدرسة تكميليّة كاملة التجهيز بإمكانها إستقبال حوالي الألف طالب وطالبة. ويخطّط القائمون عليها اليوم ليحوّلوها، إلى مدرسة ثانويّة توازي في عملها ورسالتها سائر المدارس المتواجدة في طرابلس والميناء.لم يكتفِ الرهبان الأنطونيّون، الذين يخدمون في الوقت عينه رعيّة سيّدة النجاة في الميناء، بالمحافظة على مساحة الأرض التي يملكونها بل إنّهم وسّعوها.إنّ في ذلك، في نظرنا موقف ثقة منهم كبير بمستقبل المدينة وبالعيش المشترك فيها بين المسيحيّين والمسلمين الذين عاشوا معاً منذ ما ينيف على الألف والأربع مائة سنة والذي قال عنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني أنّه يُعبّر عن كون لبنان ليس مجرّد وطن كغيره من الأوطان، بل هو رسالة للشرق والغرب وللعالم أجمع.



إنّ السياسة التربويّة التي يعتمدها الرهبان الأنطونيّون هي سياسة الكنيسة الأُم والمعلّمة وهي تقوم على المبادئ والأُسس التي وردت في الخطوط العريضة للسينودس من أجل لبنان التي تقول:"إنّ حق التربية حق لا يُنتزع من حقوق الشخص البشري، تتحمّل مسؤوليّته جميع مقوّمات المجتمع البشري، وبصورة خاصة الأُسرة والدولة والدين. وتتوخّى هذه التربية نمو الفرد في كل إتجاهاته: الفكريّة والإجتماعيّة والدينيّة وهي تنمو في البيت والمدرسة والجامعة والشارع ومع الأصحاب، وإنّ حرية التربية هي مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان ولذا فإنّ للأهل حريّة الإختيار وتأمين التربية والتعليم لأبنائهم في المدرسة التي يشاؤون. وإنّهم بإختيارهم للمدرسة التي يرسلون أولادهم إليها يهدفون إلى إعطائهم ثقافة وتربية علمية رفيعة دون شك.وترى الكنيسة أنّ من واجبها أن تلعب دوراً أساسياً في تقدّم التربية وتطوّرها، وهي تُعطي لهذا الدور أهميّة بالغة، فتشجّع على فتح المدارس وتُعطي توجيهاتها في سبيل تأمين برامج دراسيّة متناسقة ومدروسة، وتحث هذه المدارس على إيلاء النواحي التربويّة والفكريّة والروحيّة الأهميّة التي تستحقّها.



المدرسة في نظر الكنيسة ليست مجرّد مستودع يغرف منه الطالب علوماً ومعلومات، وإلاّ لكان من الأسهل، خاصة مع التطوّر التقني على صعيد وسائل الإعلام الإجتماعيّة، أن يبقى الطفل أو الطالب في بيته، وأن تُعطى له المعلومات بواسطة التلفزيون أو الإنترنت مثلاً... لكنّ المدرسة تفسح في المجال أمامه كي يتفاعل مع غيره، فيلتقي معه ويتناقش ويتجادل ويُبدي رأيه فتتلاقى الأفكار المختلفة، أفكار الطلاب وأفكار المعلّمين، ويتدرّب الطالب على تكوين رأيه الشخصي آخذاً الإيجابيّات من الغير ورافضاً السلبيّات، فيتوصّل بذلك إلى إبداء رأيه مقتنعاً بأنّه ليس من الضروري أن يكون رأيه دائماً الصحيح ورأي غيره الخاطئ.




كما أنّ على المدرسة أن تشجّع على إحترام القيم، فإنّنا نعيش في مجتمع إستهلاكي، أصبحت المادة فيه إلهاً نعبده إلى جانب الإله الحقيقي، إذا لم نقل أنّها أصبحت إلهنا الأوحد. ففقدنا معنى القيم فأصبحت التضحية والتواضع والمحبّة والتسامح والغفران كلمات عقيمة بالنسبة للكثيرين منّا، وأصبحنا متأثّرين إلى درجة كبيرة بسلبيّات الإيديولوجيّات المعاصرة حتى أصبحنا ننظر إلى الإنسان المتقيّد بالتقاليد والعادات الحميدة التي نادت بها البشريّة منذ القديم، وكأنّه إنسان من عالم آخر... رجعيّ لا يفهم معنى الحياة ولا يعرف كيف يعيش.



في الختام يمكننا القول بأنّ المدرسة عائلة كبيرة يلتقي فيها أبناء المجتمع الواحد، ينهلون الثقافة والعلم ويتبادلون الحديث والخبرات. وهي لا يجب أن تفرّق بين غني وفقير وبين طبقة إجتماعيّة وأخرى، وبين إنتماء ديني وإنتماء آخر.هذا ما نتمنّى أن تنمّيه هذه المدرسة الأنطونيّة في طرابلس والميناء بالتعاون مع غيرها من المدارس من أجل المساهمة في بناء مجتمع صحيح يقف بصمود وثبات في وجه التيّارات التكفيريّة والتعصّبيّة التي تجتاح مجتمعنا الشرق أوسطي والتي هي بعيدة كل البعد عن الإنتماء الديني الصحيح، لا بل أكثر من ذلك التي تشوّه معنى الدين إلى درجة تصل بالكثيرين منهم إلى إحتقار الإنسان والنظر إليه وكأنّه مجرّد سلعة أو حيوان يحقّ ذبحه وحرقه كما تُذبَح الحيوانات وتُحرَق الأشياء الماديّة وكأنّها لا قيمة لها على الإطلاق".وفي الختام دعي الحضور الى كوكتيل بالمناسبة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق