الجمعة، مارس 20، 2015

مساهمتي في ملحق " بناء السلام "

المدينة واجهة الثقافة
لا ...وجـــاهتهـــا..!



خطر ببالي ،ردا على دعوة الكتابة في ملحق بناء السلام المخصص لمدينتي،أن أحكي عن حالي !باعتباري أحد الذين حين يدعون إلى منبر يفرغون كل ما في جعبتهم من كلام عن علاقة خيالية لكنها أكيدة لهم ولمقامهم الرفيع بالمطلوب ،وكأن الأمر معد خصيصا لشخصهم الكريم باعتباره من ألأساسات الثابتة للكون واقعا وافتراضيا،هذا بالدرجة الأولى، وعلى كل المستويات، وليبقى بعدها للحواشي النزر اليسير والقليل مما يفترض انه صلب الموضوع !.



 فلو حاولت أن أخرج عن المعهود،وتخيلت سياقا آخر ما يعني مثلا متابعتي للنشاط الثقافي في طرابلس، للاحظت أني ذاهب كي أغوص في بحر "النق" الموسمي،الذي تختبره نخب المدينة دوريا،وليكن هذا النق مخصص لعناوينه الثقافية :
أ ـ مسرح الإنجا مع مرافقة سلسة لحمار على اعتبار أن "الحمار"* يعوض عن غياب هيبة صاحبه
ب ـ "الدوم"أو المسرح الكروي المغلق الذي بقي قيد الإنشاء منذ افتتاح العمل على ورشة "نيماير" لمعرض لبنان الدولي في 23 أيلول 1963 والتي كانت كلّ مراحله مخطط لها الانتهاء بعد أربع سنوات!
ج ـ ومع اني سأحاذر الحديث عن المعرض الاولمبي الذي كلّف 19 مليون دولار كي لا أنتصر لحاله لأنني سأنصرف لاستخدام هذه الفقرة للانتظار ثلاثين سنة لسقف القاعة الرياضية في المينا والتي استخدمتها كمكان للعرض خلال إعداد مسرحيتي للتخرّج،على الورق طبعا،سنة 1982.
د ـ ولو أن مهرجان السلم الأهلي الأول،مع سهير دندشي وجمعية أصدقاء المعاقين سنة 1988،لم يحوّل المجال المحيط بين"محطة" القطار و برج "السباع"،"برسباي" كي لا يزعل د. تدمري،بما جعل من البرج والمقصورات المتهالكة حيزا قادرا على احتضان التظاهرات الثقافية والفنية!لولى المهندسة نهى نيكرو و المهندس فواز سنكري والصيدلي خلدون الشريف!



لو لم يكن عنوان السلم والنشاط الثقافي البارز من بين ما يخطر بالبال بالمعنى الايجابي لتحولت المتابعة الى اقتراحات"نق"مستدام!ماذا لو لم تكن لهذه الكلمات الباحثة عن "النوستالجيا"ما يبررها؟كم مرّة،كم جيل،كم كاميرا،كم لوحة،كم معرض،كم مسرحية،كم كلمة تحولت قنبلة، حزاما ناسفا..!لم تكن هذه العبارة شطحة قلم إنها إشارة لعمل الروائي "جبور الدويهي" الأخير"حي الاميركان"الذي اتخذ من طرابلس مكانا وموضوعا له ومن بين شخصياتها من يذهب إلى العراق ملتحقا بالقاعدة حيث يطلب منه تفجير نفسه بالحزام الناسف لكنه لا يفعل ويعود إلى أهله ! في بحث عن سلامه الشخصي.



للمدينة ساحاتها ،شوارعها والوسطيات استقبلت على مدار السنين منحوتات أخذت تتكاثر هنا وهناك أبرزها في الميناء ما تركه "ماريو سابا"،وربما من أول المنحوتات المؤرقة،إعصارا دائما يشفط بقايا مقاعد المدرسة ومخلفات "الكومبيوترات"التي استهلكت بسرعة أمام تطور سعتها وحداثة برامجها،المتجاوزة،بلمح البرق.ذهب "ماريو"بقي إعصاره الذي سيخبرنا دائما عن الهشاشة بوجه ألآتي إن لم نستوعب اللحظة.بعده خرق "عدنان خوجة" المعهود بالسيمبوزيوم الذي اشرف على أعماله ،فقد ترك بمسعى مقصود النتاج حيا في كل مكان، وكان قد استقدم له النحاتين من دول عديدة ومن النتائج ستة منحوتات توزعت بين المتاح من المساحات الخضراء فهي إما قبالة السنترال أو مواجهة لطريق المينا إلى مفرق مستشفى النيني،المثلث المواجه لمدرسة عبرين وقصر الحلو،وواحدة تحت جسر المشاة القاطع لجسر أبي سمراء،ومنها ما يركن إلى تحويله طريق تتجه نحو المعرض وثلاثة أشرعة بنفس نحتي مؤسلب حديث تحضنها الكتلة المجسدة لها على مقربة من بلدية طرابلس.



أشرعة أخرى على مدخل الميناء،أتت كتكريم متأخر للنحات "محمد الحفار"،وهي واحدة من الأعمال الكثيرة التي تركها منجزة "ماكيتاتها"وقد حضرها للمدينة،وقد زينها مؤخرا بجدارية عملاقة مواجهة لها"محمد غالب"جاعلا لها البحر قريب بأزرقه الشاسع وبنوارسه البعيد منها المتجمع الرفوف أو القريب المتهادي بأجنحته العديدة.لن ننسى صخرة "سيزيف" ،الباقية من أعمال نشاط لبيت الفن،أو ما يشابهها مكرسة الثقل المنطقي لمستديرة "الغروبي"والمكرسة رسميا تحت اسم "البيئة"والتي تفضي الى القوس ألتكريمي للدكتور "بويز"باعتباره ما تبقى من ذاكرة "مستشفى الامركان".تبقى الإشارة إلى الجداريات،التي قيل أنها ستملئ الساحات والأماكن، كنتاج دراسات عليا من معهد الفنون قسم رسم،والتي لم تتخطى موجتها الأولى ويؤسف ان بعضها تم تهشيمه أو نقله الى الزوايا الخلفية.



لنعترف أن النشر في المدينة قليل ربما يقتصر على بعض هواة الشعر ،ومحترفي الوجاهة،غير أن المجلس الثقافي للبنان الشمالي يتابع "توثيقياته"عن الصحافة،المسرح،الشعر والشعراء،الشخصيات وهو يعكف في هذه الأيام على كتاب حول الروائيين الشماليين.كما استعاد دراسة "مجتمع النهر"للراحل "طلال منجد"وعمل على نشرها في كتاب فعادت حكايات "أبو علي"التي حملها "طلال" قول كلود ليفي ستراوس عن الانتروبولوجي الذي يسير إلى الأمام فيما يتقدم المؤرخ القهقرى طارحا السؤال ما الذي جعل النواة المدينية تتخلى عن شريانها ؟



وقد انتشرت في السنوات القليلة الماضية أيضا بعض الجمعيات الشبابية التي تسعى لنشر الموسيقى وتنقل الرقص إلى الشارع في احتفاليات ارتجالية تواكب النشاطات العامة كما بعض المناسبات الجامعة.ربما هذا ما سوف يعيد تنشيط المسارح والمراكز الفنية الثقافية التي تكتفي باستقبال ما ينتج خارج المدينة في أغلب الأحوال في مسعى لتعميم الوجاهة بدون الخوض في متاهات المساعدة على إطلاق النتاج المحلي،اللهم باستثناء حالة كورال الفيحاء التي ربما تمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة،الذي تحول ليصبح كالزرع البعل يظهر بقوة المواهب الفردية.الحديث يطول وتفوح منه الحكاية التي أكررها بدون ملل عربون معروف لمدينة أتاحت لي أن أراها،كما هي،لا كما يكثر عنها الحكي،أول الكلام الحرب، وآخره تنتظر أن يؤكده فيقولها لك لسان واحد من أهلك،حيث تلقاهم أهلك أهلها،يعشق الجهر ب "السلام عليكم" !.

                                                                       جان رطل

* اشارة لحكاية حمار "حسن الإنجا" الذي كان ما يوازي حاكم المنطقة ايام الولاية العثمانية والذي كان يرسل حماره لأي احتفال او مناسبة اجتماعية ليضمن الأمن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق