الاثنين، ديسمبر 29، 2014

عن مسرحية لينا خوري .... والقيادة !


كيــف علمـتـنا "ليـنا خوري"
القيادة ؟ وهي تقدّم مسرحية !



يأتي عرض "لينا خوري" ليقدم لنا ،كعادتها،جديدا مقلقا وفاتنا وهو يقدم المسرحية التي أنتجتها،من ضمن البرنامج الأكاديمي للجامعة اللبنانية الأميركية بعنوان "كيف تعلمت القيادة ؟" للكاتبة الأميركية،من مواليد واشنطن،" بولا فوغل "التي حصلت عليها جائزة بوليتزر لعام 1998 كما غيرها الكثير من الجوائز والتي توصف ،بحسب الكتيّب التعريفي المعد للمشاهدين، أنها مسرحية مستقاة من رواية لوليتا لنابوكوف.وهي، أي المسرحية الأصل الأميركية أنتجت بداية كعرض مسرحي للمرة الأولى من ضمن ما يعرف "أوف برودواي"،اي من خارج المؤسسات الإنتاجية الكبرى المكرسة،وتتالت فيما بعد استعادتها وتوسع انتشارها في نطاق مدن ومسارح ومدن عديدة.



المقصود من هذه الإشارة الاستهلالية التركيز على أهمية "النص"في هذه المسرحية،وما يعنيه من خطاب ومضمون مثير،بالتوازي مع العرض،فمن جهة أولى بإمكاننا الملاحظة أن الأفكار المطروقة عبر حكاية المسرحية تتعلق بالأساس عن النظرة إلى الجنس،من خلال التربية،وكيفية تسليم الأجيال بعضها لبعض المعارف والعادات المفاهيم،وبالتالي كل ما يتعلق بها من أفكار مكرسة.لا يفوتنا هنا أن الحقبة التاريخية،التي تجري خلالها الأحداث الأساسية،هي في الستينيات وما يعنيه ذلك من فورة ألتحرر،ومن ضمنها الثورة الجنسية في حينها،وبالترافق مع موضة الملابس النسائية بتنانيرها القصيرة واليها ما كان يجري وبالتزامن أيضا معها من خبطات اجتياح الموسيقى الرائجة. كلها اجتمعت لتكون من الأمور،التي تحدد الحقبة، باعتبار أنها  ليست مما يمر بشكل ثانوي وهامشي في المسرحية.
وما يتبع ذلك كملاحظة أن الثورة الاجتماعية وأفكار التغيير بالعادات وهجمة الخنافس"البيتلز"وما شابه لم تترافق مع وعي تربوي ومعرفي،بالتزامن وعلى نفس الموجة، من الاستيعاب للمعارف الأساسية وتمثلها وهضمها، بما كان من المفترض أن يؤدي إلى تفادي كثير من المثالب على أمور كثيرة تنعكس على حياة العلاقات الزوجية والأبرز فيها خاصة لدى الشباب والمراهقين.



هذا كله انسحب على خيارات الإخراج المترافقة بما أدى إلى تضمين العرض أكثر من إشارة شكلية تستعيد ما سبق وأشرنا إليه مما أختص بالشكل وحيث تم عكس الحقبة.الملابس، الديكور ،ولو كان بسيطا،ربما لم يتعدى كنبة/مقعد السيارة بجلده الأحمر، الموسيقى و الأغاني المستخدمة للرقص وكخلفيات،وأخيرا بعض الصور المسقطة على شاشتان متعامدتين قد مثلت النكهة ومتابعة شان العصر في الحكاية.
وبالانتقال من مشهد إلى آخر أو من فصل إلى الذي يليه كان يلعب لنا صوت إذاعي،من مهامه إعلان عنوان المشهد،وهو في مواضع أخرى دخل في إيضاح الموضوع المتناول،بتقنية اشتغلت على تقطيع انسيابية الأحداث بحيث تخلق نوعا من المسافة فيما بين الفواصل،وإذا ما شئنا الإضافة فمن الممكن الإشارة إلى أن هذا الأسلوب قريب من الشروط التي يفرض،عن قصد، وجودها "بريخت"بحسب "الأورغانون"الذي وضعه للتفريق بين المسرح الكلاسيكي والآخر الذي يقترحه تحت مسمى "الملحمي" الأمر الذي يتكرر باستمرار وبأساليب مختلفة.لكن هنا لا يجب أن نحمّل الأمور أكثر مما تحتمل لا بل أكثر مما تظهره.لنعتبر هذا الأمر ملمحا من الأساليب للمسرح الحديث والمعاصر برختي المصدر تستخدمه المخرجة مع كل إمكانيات"المولتي ميديا"لمزيد من توسيع حقل النظر وزواياه تطويرا،للمراقبة،والتركيز،نحو الموضوع الجاري على الخشبة،وباعتبار هذا التناول وسيلة من وسائل الإيضاح،بمعناه الممتع،والتحكم بالإيقاع المتدفق للمشاهد عند الحاجة.
                                                    القصة
تدور كل القصة حول اجتياز الصبية"ليتل بيت"سنوات طفولتها نحو المراهقة وصولا إلى عمر الشباب المكتمل بالتوازي مع علاقة ملتبسة مع"العم بيك"زوج الخالة،بين التحرش والانجذاب والبيدوفيليا أو سفاح ذوي القربى،على خلفية تعلّم قيادة السيارة.تتطور الأمور على مراحل كما أن مجريات السرد عن الانجذاب والانغماس في تدرج العلاقة الجسدية تسير في منعطفات.فتتخذ عملية تسلسل الوقائع شكلا يتقدم بالزمن ومن ثم تعود بالحكاية القهقرة،بفلاش باك، إلى مرحلة سابقة لتضيف عليها تسألها بعض التفاصيل ومن ثم تستأنف الانسيابية الزمنية الطبيعية.وهذا ما يجعل لحادثة بداية العلاقة ،فالتحرش المربوط بدرس تعلم قيادة السيارة،وبالتوازي وخلال ما هو مطلوب من المتعلم،للتحكم بالسرعة واستخدام الكابح واليدين على المقود بوضعية عقارب الساعة،كلها تتخذ احتمالية المعنيين المبطنين،والمتضاربين في آن، الهتك والتلاعب بالمشاعر كما للتواطؤ والتفاهم الضمني على ما يجري وان بسذاجة!خاصة بعد أن يكون المشهد المحكي عنه والمعتبر هو بداية كل هذا المسار يجري في الختام،نهاية المسرحية، ومن قبل ممثلة أخرى تعيد تمثيل الواقعة والشخصية الأساسية،غير الممثلة التي تكون كل الوقت هي من يتحدث عن سيرتها الشخصية وتاريخ مسارها لأنها في نهاية المطاف تكون قد انتحت جانبا واتخذت وضعية المشاهدة لما سبق وألمحت أنها عاشته بالفعل،هنا ندخل إلى وجه من الوجوه الأخرى "التغريبية" للمسرح جلية وواضحة المعالم مفترضين أن من اخذ منحى السرد نحو هذه الطريقة وحدد مسارها ،وبهذا الأسلوب يمكن إرجاعه لبنية النص الأساسية،أي فيما يشكّل خصائص تتعلق بالنص وكيف يقترح أن يتم تجسيده.



أما لما نقول عن التفسير المزدوج لعلاقة السفاح/التحرش؟فلأن المسرحية تقدم عذر الإدمان على الكحول الواقع فيه "العم بيك"والذي تستدرج من خلاله "ليتل بيت"من قبل الرجل الأربعيني إلى نوع من مقايضة بين الإقلاع عن تناول الكحول والصمت عما يجري فيما بينهم ومن بينها جلسات التصوير،والتعري،في الملجأ من المبنى و الصمت يجري،إلى الوصول لسن النضوج،الأمر الذي تخرقه في الختام حتى ولو أمام نفسها فقط حين تعلنه بالصوت العالي،لتسمعه وتتأكد من هوله، في رغبة للتحرر ودخول النضج وبالتالي التحكم بالقيادة للسيارة وفي ما سيأتي من خيارات قيادة حياتها اليومية المفتوحة.
يبقى الحديث عن اختيار الممثلين الذي جاء أساسيا وموفقا من خلال إسناد شخصية "ليتل بيت" لصبية متمكنة من تقنياتها ومقنعة بتجسيدها لمراحل عمرية متنوعة وهي "تمارا بوبوفيك" كما أنها ساهمت بدون أدنى شك بالحفاظ على الخط الذي يسمح بنقل الفكرة الأساسية بصدق تحكم الناقل بما ينقله وقد مثلت مع "سامي حمدان" ثنائيا منسجما في حين أن المهمة عند سامي "انكل بيك" كانت أكثر صعوبة و لا بل كريهة ،بما يعني ردود فعل المشاهد على الشخصية التي يقدمها،لكنه هو الآخر قدم التفاصيل بكثير من الطبيعية ولكن ربما في بعض الأحيان،ولطول الحوارات والمطالعات التي يسوقها،سقط في التسطيح أو التسرع مع الرغبة في التبسيط وخفض الصوت،وان كان طبيعيا ومناسبا غير انه مزعج للمشاهدين في المسرح،معتبرا أن الذهاب في هذا الأسلوب طبيعي،ومبررا ذلك ربما،على اعتبار أن التقنيات الصوتية تساند.تبقى الإشارة إلى من جسّد مشهد الانتهاك الجنسي وهي ممثلة براعة في التصوير الجسماني وبأسلوب متقن وجريء وان حضورها في هذا المشهد يعكس،ويؤكد على تميّز، كل حضورها في المسرحية ،وفي مواقع الحوارات العائلية،وفي غيرها مما ينسحب على بقية الممثلين وهنا نتحدث عن ألين سلوم،سارة البيطار و محمد ياسين الذين كانوا في مواقعهم وساندوا خلفيات الحكاية ومسرحتها.    
  






                                                                           جان رطل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق